إنتاج المعلومة ليس ملك الجميع
د. أحمد ديركي:
نعيش في عالم تكثر فيه المتغيرات وتتسارع فيه الأحداث إلى حد يصعب فيه تتبّعها أو حتى فهمها كما ينبغي أن تُفهم. تتعدد أسباب التسارع هذه وقد يكون من أبرزها ما يُطلق عليه (ثورة الاتصالات) المعتمدة على سرعة انتقال المعلومة من مكان إلى آخر، فقد أصبح بإمكان (المعلومة) أن تنتقل من أيّ بقعة في العالم إلى بقعة اخرى بسرعه تفوق الخيال، طبعاً ما زالت عملية الانتقال هذه أبطأ من سرعة الضوء. فكل ما تحتاجه عملية انتقال المعلومة وجود المعلومة و(كمبيوتر) أو هاتف خلوي وشبكة أنترنت وكبسة رز!
عبر هذه الوسائط (البسيطة)، كمبيوتر أو خلوي وشبكة الأنترنت، تنتقل المعلومة لتصبح متاحة لأيّ فرد في أيّ بقعة من بقاع الأرض.
ومن المتعارف عليه أن جنس الإنسان العاقل ليس مجرد متلقٍّ سلبي، بمعنى يتلقى المعلومة وينقلها منه إلى فرد بشري آخر، بل يتفاعل المتلقي مع المعلومة. التفاعل قد يكون سلبياً أو إيجابياً أو تعديلاً أو إضافة أو حذفاً أو… والتفاعل ليس بالتفاعل المكاني، بل تفاعل جدلي.
بعد عملية التفاعل هذه ينقلها المتلقي إلى الفرد الآخر، وفقاً لما أضاف عليها أو ما لم يضفه وتستكمل حلقة تناقل المعلومة.
أمر بسيط ويسير، فكل ما على الفرد فعله هو الدخول إلى شبكة الانترنت والحصول على المعلومة ليقول إنه حصل عليها!
المشكلة لا تكمن في كل هذه العملية، البسيطة في الشكل والمعقدة في الجوهر. أحد أبرز تعقيدات هذه العملية البسيطة تكمن في عملية إنتاج المعلومة، لا نقلها. وهنا يمكن ان نطرح السؤال التالي: من يُنتج المعلومة؟ الإجابة في الظاهر سهلة (نحن)، أي الجنس البشري العاقل.
نعم (نحن) من يُنتج المعلومة، لكن هذه الإجابة استكمال لعملية تشويه الوعي ليبقى كل من يظن أنه منتج للمعلومة لا مستهلك لها قائماً في عالم وهمي متوهم بأنه منتج لا مستهلك. هنا يكمن الفارق بين عملية إنتاج المعلومة ومستهلكها.
فكم من المعلومات المتوفرة بين أيدينا والتي يمكن تناقلها (ببساطة) في ما بيننا عبر الأدوات السهلة الاستخدام بين أيدينا، ولكن هل فكّر أحدنا في لحظة ما هي المعلومة المنتجة التي سمحت لنا أن نصل إلى (ثورة الاتصالات)؟
الجانب الأخر من التعقيد هل فكّر أحدنا كيف تحولت هذه المعلومة من مجرد معلومة لتصبح واقعاً تطبيقياً لتخدم حياتنا اليومية؟ تخدم من ولمصلحة من؟ كيف تتحكم هذه المعلومة التطبيقية بعلاقاتنا المجتمعية؟ هل تغير علاقاتنا في بيننا ضمن المجتمع؟ وفي أيّ اتجاه تغيره؟ هل منتج المعلومة ومن حولها من مجرد معلومة إلى حالة تطبيقية في حياتنا اليومية يستخدمها كما يستخدمها مستهلك المعلومة المتوهم أنه هو من أنتجها؟
تفكر أيها المستهلك ماذا تفعل عندما تتوهم أنك منتج المعلومة ومالكها، فانت تعيش في عالم نسب الأمية فيه مرتفعة جداً، الفقر لا حدود له، احتكارية الثروة في ذروتها، القانون يعمل لحماية أصحاب النفوذ، لا وجود للإحصاءات وحتى أبسطها، معلومات لتسويق حماية من يجعلك مستهلك للمعلومة لا منتجاً لها… فكيف لك أن تتوهم أنك منتج المعلومة وأنت تعيش في هذا الواقع؟!