الله يكون في عونكم أيها الموظفون!

هيفاء شعبان:

(الله يكون في عونكم أيها الموظفون!) هو دعاء أتضامن من خلاله مع ذوي الدخل المحدود عموماً ومع ذوي الرواتب الدنيا على وجه الخصوص، أولئك الذين يمر عليهم الأسبوع الأخير من كل شهر مثل الصراط، في انتظار حلول موعد صرف الراتب الذي تتقاسمه جهات بعينها حتى قبل خروجه من فتحة الشباك الإلكتروني، وبذلك يكون الموظف قد سطر لحظة تاريخية عابرة أخرى وهو يدخل رقمه السري الذي يحفظه عن ظهر قلب وينظر إلى شاشة الشباك متأملاً في تلك الأرقام الأربعة، فيخرجها دفعة واحدة دون رأفة ولا شفقة تاركاً في الحساب البنكي مئات الليرات لا يمكن سحبها، اللهم هي (البركة) حتى لا يصاب الحساب بالزكام نتيجة البرودة الشديدة والرطوبة المفرطة غير عابئ ببطاقة البنك التي تخرج طواعية بعد عملية السحب، لأنه ليس في حاجة إليها، فكل شيء معلوم ومحسوم مسبقاً، وتكون الوجهة بعد ذلك أداء السومة الكرائية ومقابلة سريعة مع دفتر البقال وأداء متأخرات فواتير الماء والكهرباء والهاتف قبل ختم هذه الرحلة الشهرية عند الجزار وأداء ما بالذمة من مستحقات، وفي حالات استثنائية جداً التوجه إلى أقرب محل لبيع التجهيزات المنزلية، وهذا استثناء و الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره.

هي إذاً عملية تستعمل فيها فقط الطرح والقسمة من مجموع الراتب وبعدها يقصد الموظف أقرب مقهى سائلاً النادل فنجان قهوة سوداء (معصرة) ويشرع في (مونولوج) داخلي يحاور معه فوهة الفنجان متسمراً في مقعده متنهداً كئيباً، وأحياناً كثيرة مبتسماً من تراجيدية الموقف الذي يتكرر بداية كل شهر مع اختلاف في حالات موظفي القطاعات العمومية، لكن تبقى حالة الموظف الجماعي أبرزها وأشدها من حيث قوة المشهد ودلالات اللحظة.

كل ما سبق ذكره يبقى في حكم ظروف التخفيف مادام هذا الموظف لم يدخل بعد مغامرة أخرى من أفلام الخيال العلمي ومسلسلات الرعب التي يكون بطلها القرض البنكي نتيجة الرغبة في امتلاك بقعة أرضية أو شراء منزل للسكن، وأيضاً ما لم يطالبك صاحب البقعة أو المنزل المراد بيعه لأنك تكون مضطراً حينئذٍ إلى البحث عن مقرض آخر غير مؤسسات الائتمان لتنضاف هذه المغامرة إلى عملية الاقتطاعات من المنبع، فيخرج الراتب على هزالته معاقاً كالأعور أعرج أصم أبكم ) مع أجمل التمنيات ألا تصادف الاقتطاعات مناسبة من المناسبات كعيد الأضحى أو افتتاح المدرسة أو ازدياد مولود، وعندئذٍ يكتمل المشهد الحزين الذي يرسل بهذا الموظف مباشرة إلى أقرب مركز للهلال الأحمر لمراقبة مستوى الضغط الدموي ونسبة تحلون الدم.

لأجل ما سبق ذكره فقد لا نفاجأ عندما نشاهد رأي العين العديد من الموظفين ممن أضحوا يحدثون أنفسهم ودون أية مناسبة، لأنها الوسيلة الوحيدة لإراحة الدماغ من كثرة التفكير والتخطيط والدراسة وأحياناً كثيرة التمني.. فمحادثة النفس يجب النظر إليها من زاوية إيجابية تجعلك تفرغ وتخرج كل تمردك على وضعية مزرية غير آبه بمن سيلومك على اختيار هذا الطريق أو ذاك.

العدد 1102 - 03/4/2024