كي لا ننسى |  إقبال ناجي الفنانة التشكيلية التقدمية التي كرّست فنها للتطور الديمقراطي

يونس صالح:

إقبال ناجي، الفتاة الدمشقية التي عشقت دمشق والطبيعة، المرهفة الإحساس، والموهوبة، والفنانة الأصيلة، التي قدمت للفن التشكيلي لوحات ستبقى على مر الزمن نداء حباً إلى كلّ المناضلين من أجل الحرية.

لقد كان حسها الوطني واهتماماتها الوطنية لا ينضبان، وانعكس كل ذلك على إبداعها الفني المعبر عن قضايا الشعب في البلدان العربية، ومعاناتها ونضالها ضد الاضطهاد والظلم ومن أجل التحرر.

إن لوحاتها عن جميلة بوحيرد، وعن أقبية التعذيب في العراق، والفدائي اللاجئ، وثوار ظفار، ورجال الثورة السورية، وغيرها الكثير، قد دخلت في تراث الفن التشكيلي السوري الواقعي، المرتبط بعمق بقضايا الشعب، والمعبر عن روحه المتوثبة.

إنها إذاً ابنة دمشق الأصيلة، نشأت في بيئة عائلة شعبية مثقفة، شقيقها زهير ناجي المؤرخ السوري المعروف، الذي كان له دور كبير في تربية أجيال عديدة لعب فيما بعد أدواراً مختلفة على صعيد الثقافة السورية التقدمية، وهي أم لفنانين موهوبين هما وليد ومحمد قارصلي، اللذين ورثا عن والدتهما الموهبة الفنية والشفافية والارتباط بالوطن.

إنها إحدى رواد الفن التشكيلي الواقعي، رغم أنها كانت تقترب في بعض الأحيان من المدرسة الانطباعية، ولقد كانت سيدة رقيقة وحساسة ومتواضعة ووطنية وصادقة، وكان لديها إحساس نسوي مرهف بوضع المرأة والظلم الذي تعرضت وتتعرض له. ولم يكن نشاطها يقتصر على الرسم فقط، من البرج العاجي، كانت تقرن الأفكار بالممارسة، وعندما انتقلت إلى مدينة تدمر بسبب عمل زوجها، لعبت هناك دوراً مهماً في تعليم الكثيرات من النساء التدمريات المنسيات القراءة والكتابة، ولم تأل جهداً في ذلك، وحصلت بسبب ذلك على شعبية واسعة في أوساط نساء هذه البلدة السورية البعيدة.

وعند عودتها إلى دمشق، انخرطت بكل قواها في العمل النسائي الديمقراطي، وكانت إحدى العضوات النشيطات في مكتب دمشق لرابطة النساء الديمقراطيات، وكان منزلها يعج دائماً بالنساء اللواتي يطلبن المعرفة والمساعدة منها.

لقد كانت حياتها مكرّسة للفن الذي يعكس قيم الحياة النبيلة والصادقة، والمفعمة بالأمل والإيمان بمستقبل أفضل للأجيال القادمة، وللنضال من أجل إحداث تغييرات عميقة في نظرة المجتمع إلى المرأة، ومن أجل ان تتخلص المرأة من رواسب الماضي المظلمة، هذا الماضي الذي كان يتعامل معها كمتاع ليس له سوى مهمة واحدة هي خدمة الرجل، وتلبية مطالبه دون أيّ احترام لكينونتها الإنسانية.

مارس هذا التوتر الذهني والجسدي المستمر على جسدها الرقيق، وفي عام 1969 تغادر الحياة هذه الامرأة، النقية كنقاء المياه الصافية العذبة، والمقدامة، مخلفة إرثاً فنياً ثراً، ونموذجاً للإنسانة النبيلة التي عاشت حياتها بكل أبعادها، ولم تكن عابرة وتركت بصماتها على تطور الحركة النسوية الديمقراطية في البلاد.

إن حياة هذه الابنة البارة للشعب السوري ولدمشق، يجب أن تبقى في ذاكرة كل من تعز عليه قيم الحرية والإنسانية، وكل من سيناضل ويقدم كل قواه من أجل سعادة الشعب ورخائه.

العدد 1102 - 03/4/2024