الحراك في أغلب الدول العربية، ليس من مصلحة الشعوب الممولة من أطراف خارجية

محمد علي شعبان: 

 الحراك في أغلب الدول العربي، ليس من مصلحة الشعوب الممولة من أطراف خارجية، وإقليمية ودولية، صاحبة المشاريع في المنطقة العربية، لأن التاريخ لن يرحمهم أبداً.

كل تظاهر أو حراك ضد نظام حكم جائر، وفاسد ومستبد، هو حراك بالاتجاه الصحيح، شريطة أن تكون المصلحة الوطنية العليا، ومصلحة الفقراء والمنتجين من عمال وفلاحين، ومهنيين، هي الغاية والهدف، وليس مصالح فئوية ضيقة. ولكل حراك عقبات وصعوبات لابد من مواجهتها والتعامل معها من أجل التغلب عليها، ومن ثم تجاوزها.

جميع شعوب العالم تعرف أن التغيير لن يأتي على طبق من ذهب، وخاصة في دول يتحكم فيها الاستبداد، بالسلطة والثروة والقضاء والحقيقة. بيد أن المجتمعات العربية المنقسمة في ولائها وتموضعها، لصالح دول إقليمية ودولية، أمامها العديد من الصعوبات، التي لا يمكن تجاوزها بمجرد النزول إلى الشارع، والتظاهر أو الإضراب العام، والعصيان المدني.

إن الانقسامات العميقة في بنية المجتمعات العربية، في هذه المرحلة بالتحديد، ليس انقساماً بين المجتمع المفقر والسلطات الظالمة فقط. إنه انقسام في بنية المجتمع وطبيعة اصطفافاته لصالح التيارات الإقليمية والدولية، وعلى أسس طائفية ومذهبية أحياناً، لا يمكن نكران دورها أو تجاهله، وهذا الانقسام ليس مؤشراً خطراً وحسب، إنما ينذر بمزيد من التقسيم والتشرذم والاقتتال الذي يشكل أرضاً خصبة للصراعات وتجذير مقومات الدول الفاشلة، ما لم تتحرك القوى الحقيقية صاحبة المشاريع الوطنية، التي ترفض المذهبية، والطائفية، والقومية في البلدان التي يعيش فيها أكثر من قومية، معتمدةً على قوتها الذاتية، في التمويل، ومستقلةً عن مشاريع الدول المشبوهة.

إن قوى اليسار الماركسي والقومي لن يرحمها الأبناء والأحفاد إذا بقيت ملتزمة الصمت تجاه مسؤوليتها التاريخية، ذلك أن المنطقة العربية على مفصل تاريخي هام وخطير، لما تعيشه من انتفاضات شعبية وشعبوية، تتحرك بردّات فعل على أنظمة فاسدة ومستبدة، كانت لها الدور الأهم في تغريب المجتمعات وإفقارها وتهميشها.

إن هذه الأنظمة التي استمدت قوتها وشرعيتها، من الدول الكبرى ومن السفارات الأجنبية، ومباركة النظام العالمي الجائر والظالم، ليس بمقدورها أن تعمل لشعوبها ولأوطانها أكثر مما فعلت، ما دام الحفاظ على كرسي الحكم أولوية. وسُبل الحصول على الشرعية والاستدامة المستمدة من الخارج، تقتضي تجهيل المجتمعات التي تحكمها هذه الأنظمة لسببين:

الأول، الحفاظ على نظام الحكم، وهذا يقتضي العديد من الممارسات التي قامت بها الأنظمة العربية في بلدانها، من مصادرة الحريات إلى القمع والتجهيل والإفقار، وصولاً إلى تقديس الفرد.

الثاني، سياسة التخويف التي تمارسها القوى الكبرى على الحاكم، وتعميق الفجوة بينه وبين شعبه، ليبقى رهن أوامرهم ومصالحهم التي تقتضي بقاء هذه البلدان متخلفة، وخادمة مطيعة لحكامها. لكن الخطر الذي تحمله هذه الانتفاضات بشكلها الراهن ليس أقل خطورة من أنظمة الاستبداد التي حكمت المنطقة العربية، ما لم تفرز قيادات يسارية ووطنية مشهوداً لها بالنزاهة والسلوك الجيد، وما دام البعض ممن هم في الساحات يُمولون وينفذون مطالب لغرف عمليات، من أنظمة ملكية، تدعي تمثيل العروبة والإسلام، ولم تفعل للعروبة، خلال ثمانين عاماً، سوى ما يطلبه منها أعداء العروبة، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني ومن خلفه الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

إن انكشاف العلاقة القديمة المتجذرة بين الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية، حقيقة لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن لعاقل أن يقبل، أن مجموعة هذه الدول التي شكلت الناتو العربي بقيادة الصهاينة، أن تكون حريصة على حقوق الشعوب في بلدان عربية، كسورية ولبنان والعراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر وتونس، أكثر من حرصها على شعوبها التي تمارس عليها حكماً قروسطياً على مزاج الملك أو الحاكم، باعتباره يمثل الإله على الأرض. والسؤال الذي يقتضي الإجابة عنه: لماذا لم تنتفض الشعوب في دول الرجعيات العربية؟

باستثناء البحرين التي ساهمت جميع دول العالم بقمعها، سواء بشكل مباشر أو بتأييد من يقمعها أو بالسكوت والتزام الصمت؟!

مع قناعتي الشديدة بحق الشعوب في الثورة، والإضراب، والعصيان المدني، وضرورتها في العديد من دول العالم، وفي مقدمتها الدول العربية، إلا أنني وبالقدر نفسه من الإصرار على تحريض الناس على فهم أشياء كثيرة، وأهمها:

1-مَن المستفيد الأول من الحراك الذي حصل في معظم البلدان؟

2-ما هو دور قوى العدوان عدوة الشعوب الفقيرة في إدارة الحراك الذي انطلق في معظم البلدان، وتوظيفه، واستثماره؟!

3-ما هو دور زعامات الطوائف والمذاهب الذين كانت أفعالهم أحد أسباب انطلاق الانتفاضة، والذين يتسابقون للركوب في قاطرتها الآن؟ وما هو دورهم في إجهاضها؟!

إذا كنا نعتقد أن حكام المنطقة العربية حليفة الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ستساعد هذه الشعوب في التحرر من قبضة حكامها لتنال حريتها، وتقيم أنظمة حكم جديدة في هذه البلدان تعتمد معايير المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وتوزيع الثروة بشكل عادل، فنحن واهمون؛ لأن من يمارس القمع على شعبه يخاف الحرية ويحاربها أينما ظهرت. وأكثر وهماً من يعتقد أن الامبريالية حريصة على حرية الشعوب وعيشها الكريم.

فلو عدنا للسؤال: من المستفيد من الانتفاضات أو الثورات كما تسمى، لوجدنا تعقيداً شديداً في الوصول إلى قناعة، في المآل الأخير، أن معظم الجالسين في غرف العمليات لإدارة انتفاضات كهذه، الذين يدفعون المال لمن يطالبون بالحرية، وبمحاربة الفساد وإلغاء الطائفية، وهم أعداء الحرية ورموز الطائفية والفساد، لا يريدون لهذه الثورات الانتصار بمقدار ما يريدون منها خلط الأوراق وتحقيق مكاسب فئوية خاصة، بغية حرف الصراع والحصول على إعادة تأهيلهم واعتمادهم من قبل مشغليهم لمدة أطول، حالهم كحال الدول الإقليمية والدولية صاحبة المشاريع في بلداننا، التي يتمنون لها أن تبقى ضعيفة، غارقة في الأزمات والصراعات التي يصنعونها بأيديهم.

 

العدد 1104 - 24/4/2024