قضية الأمة والأخت المغتصبة

وعد حسون نصر:

فلسطين قضيّة شغلت العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، لعلّه البلد الذي كُتِب عليه القتال والمقاومة مدى الحياة، فمنذ وعد (بلفور) ومنحه فلسطين وطناً لليهود تغيّر تاريخ هذا البلد الصامد إذ وجد نفسه أمام ثورة الحق (الأرض المسلوبة، وحق العودة) وهنا كان لابدّ للعرب أن يقفوا بوجه من سلخ فلسطين من خارطة الوطن العربي، والتصدي لمؤامرة صهيونية تريد زرع السمّ بين الشعب الواحد بفرض حدود بين الأشقاء. لكن للأسف الكثير من الدول العربية وقفت مكتوفة الأيدي تنظر من بعيد بمنظار الرحمة إلى فلسطين التي باتت كلمة تُلفظ على الشفاه فقط بينما الضمائر في مكان آخر، ولم يعد هناك حق مسلوب لشعب مقهور لأن البترول غمر الخارطة العربية ودمغ فلسطين بلزوجة الذهب الأسود، ونام صلاح الدين حالماً ببلد العُرب وابنتهم المُغتصبة أمام عيون الإخوة، ولم تنفع ثورة القاوقجي لردع المغتصب لأن الخيانة كانت أقوى من صوت الحق، باتت فلسطين افتتاحية المحافل ببضع كلمات تواسي الشعب المسكين بعيونه الحائرة لجسر العودة لبلده وأرضه، لشجره وليمونه، للقمر الغافي على حكايات الحب. وهنا لا يمكن ليد الفلسطيني الواحدة أن تقف بوجه المعتدي، فكُتِب على هذا الثائر الوحيد أن ينام على ضيم الهزيمة والقهر والجوع والتشرّد والتجاهل من الأشقاء، فلا عودة بعد أن اندفع النفط من أرض العرب، وسار بسيله نحو الغرب، ومدَّ الدولار نفوذه برايةٍ ترفرف فوق سماء الخليج وبعض الدولة الخانعة للذلّ، فبات شعار إسرائيل من الفرات إلى النيل أغنية بفم طفل بعد أن علّمه الأهل أن أخوك اليمني هو عدوك، وشقيقك السوري جسرٌ منيع بوجه أحلامك وطيب طعامك، فلا قضية بين أطراف متضاربة المصالح، وإن تمّ فتح ملف الحوار يكون لنشوب خلاف جديد بين الأشقاء!

ما دام كلٌّ منّا يغني بوادي مُردّداً هتاف المصلحة الفردية ستبقى فلسطين كلمة اعتيادية فقط على شفاه الخطباء في المحافل، وبيت شطره لدعم قصيدة بشدّة التصفيق، فقد ضاع الحق مع ضياع المطالب، وكُتِب على شعبها النضال بيد واحدة لا يهمُّ أن تصفق هذه اليد، وبات هذا الشعب المغموس برماد أحلامه التي داس عليها العربان بأحذيتهم بعد أن عبروا بمصالحهم فوق طموحات شعب أعزل عيونه ترنو للحرية بطرد الغاصب، وكان لهذا الشعب طعم العلقم والعوسج لينعم العرب أجمع بحلاوة مذاق الشوكولاته السويسرية وقرع أقداح النبيذ بمقاهي يرددون فيها قضية فلسطين فقط ليبيّنوا لبعضهم أنهم مع حق الشعوب ضدّ القهر، لكن النفوس تُخفي العهر، وهنا تبقى بلاد العرب أوطاني… نشيد الأطفال وهم يلعبون بالأزقّة لأن فلسطين وغيرها من دولنا العربية المنكوبة لم تكن يوماً قضية أمّة العرب، ولم تعد بلاد العرب حضن أيّ لاجئ، بل باتت تفصلنا حدود نجتازها بجواز سفر مدموغ ليُصبح الأجنبي سيداً علينا ببلاد العُرب.

 

العدد 1104 - 24/4/2024