نعم.. أنا هي رضوى مستغانمي!
مرح محمد نبيل السمكري:
لقد صدق نزار قباني عندما قال: (لقد لبسنا قشرة الحضارة، والروح جاهلية) ففي الجاهلية كانوا يدفنون المولودات الإناث خوفاً من أن تجلب العار، واليوم، ونحن في الألفية الثالثة، نملك في رصيدنا مليارات الكتب، وآلاف الجامعات، وآلاف المفكرين، نعيش ثورة تكنولوجية لم يكن العقل البشري ليتخيلها قبل عشرين عاماً، ومع هذا مازلنا نفعل كما كانوا يفعلون في الجاهلية، ندفن النساء خوفاً من العار، ثمّة قبور فوق الأرض لا تتجسّد بشكل مادي، وثمّة جُثث تمشي على قدمين، لا تستطيع أن تعمل لآخرتها لا قوة لها إلاّ الاستغاثة. أجل انني أتكلم عن الأنثى، عن قارورة الريحان، عن جناح الفراشة البيضاء، وعن اللون الوردي في غابة من الرمادي.
كيف بدأت رواية الطغيان تلك؟ على مرّ التاريخ تميّز الرجل على المرأة بقوته الجسدية والعضلية، ورجاحة العقل على العاطفة، فصار يعمل خارج المنزل وهي داخله، وأصبح الأمان المادي ملك يديه، ولا ضير في ذلك، لكنه استغل جيداً مواطن قوته، فصار يضربها وهي لا تقوى على ضربه، ويغتصبها ويُعنّفها جنسياً وهي لا تقوى على ردّه، وصار يحجب عنها أدنى حقوقها مهدداً بالضرب.
وتميّزت المرأة عن الرجل بجمالها وفتنتها ورقّتها، فصار ينظر لها أغلب الرجال نظرة كلبٍ مسعور لم يرَ الطعام من أسابيع، ولذلك أضحت المرأة عُرضة للاغتصاب والتحرّش الجسدي واللفظي، يرسمُ المُتحرّش على جسدها عاره وقذارته ويتلاشى من الوجود كأنه لم يكن يوماً، فتحمل هي العار على أكتافها، هكذا استبدّ الرجل، وسأخبركم كيف رضخت المرأة. لقد اقتنعت بأنه أقوى منها، ليس جسدياً وحسب، وإنما عقلياً أيضاً، اقتنعت بأنها بقايا بشر، ونصف حيوان، فصارت تُسلّم لآدم، وكما يقول شكسبير: (الذئب ما كان ليكون ذئباً لو لم تكن الخراف خرافاً).
ورثنا عن أجدادنا هذه المفاهيم الرجعية، فأصبحنا نعاني جميعنا وبشكل يومي، على اختلاف أعمارنا وأشكالنا وثقافتنا، من طغيان الرجال، نعاني من التصاقهم بنا في المواصلات العامة، نعاني من ملامسة أيديهم الكبيرة الخشنة لأيدينا ونحن نعطيهم الحساب في الدكاكين، نتألم من نظراتهم القذرة إلى أجسادنا، كما تعاني الكثير من النساء اليوم من الطغيان الاقتصادي للرجل فلا يُسمح لها بالعمل، حتى لا تتفوق عليه لا مادياً ولا معرفياً، وحتى تبقى للأبد تحت سلطته المادية، وأحياناً يحدث العكس تماماً، يستلقي الرجل أمام التلفاز واضعاً كأس الشاي على (كرشه) وهو يتابع الممثلات الجميلات ويترك زوجته تعمل خارج المنزل وتنفق عليه، إضافة إلى عملها داخل المنزل وواجباتها تجاه أولادها، ولا يسمح لها بخوض الحياة العلمية والثقافية كالدراسة في الجامعات أو السفر لدراسة تخصص ما في الخارج، لأنه يخاف أن تجلب له (عاراً) إذا سافرت وحدها، وكأنها ملتزمة بأصول الأخلاق فقط لأنه بجوارها، ويقنعها دائماً بأنها (غبية) قائلاً: (إنتو النسوان بنص العقل) فيرسم لها حدوداً لأحلامها ولمستقبلها ويضعها ضمن إطار سطوته فقط، فهو لا يشعر برجولته إلاّ بضعفها ورضوخها، وهو مقتنع تماماً بأنها خُلِقَت لإرضائه.
من واجبي، كأنثى، أن أعرّفكم على هذا النوع من المخلوقات: الإناث، كما لو أنكم في اللقاء الأول معنا، أقدم لكم (حواء) كمخلوق يحمل صفات بشرية كاملة، يعيش وسط مجتمع، له احتياجات كالجنس الآخر تماماً أي إنه يحتاج إلى المال والمعرفة، يحتاج إلى الترفيه والحب، يحتاج إلى العمل والراحة، يحتاج إلى المستقبل والذكريات، لديه طموح وإرادة وأحلام ومتطلبات، يحلم بالاستقلال والتأثير، تخيلوا أنه يحمل كل هذه الصفات البشرية!
ما هو سبيل الخلاص؟
لا تنتظري حبيبتي أن يقدّم لك الرجل حريتك على طبق من ذهب مع وردة حمراء، الحل لديك، إذا اقتنعت بأنك إنسانة كاملة، بقدرات كاملة ولديك حقوق كأي مخلوق آخر، فهذا هو الحل، ودون ذلك معادلات بسيطة سأسردها لك، ثقافتك وعملك (الذي سيؤمّن لك الاستقلال المادي) خطّان أحمران، اليد التي تضربك اقطعيها، وعند تعرّضك للتحرّش، لا تشعري بالذنب فتحملي الخطيئة على أكتافك، بل اكتبي الخطيئة على جبين المتحرّش، وملاحظتي الأخيرة: لا تكوني ساذجة!
قد أبدو من كلامي كالسيدات الطاغيات أمثال أحلام مستغانمي أو رضوى الشربيني، وإن كان في ذلك إدانة، فأنا هي رضوى مستغانمي، أنثى ذكية وطموحة جداً، ينطوي العالم كله في رأسي، قادرة على تحريك العالم بين يدي، أملك من الصبر والقوّة ما يكفي، لكني أود ان أعترف لكم، أني أخاف من الجرذان كثيراً، يرجف قلبي من شكل الطيور عندما ترفرف، أبكي تحت غطائي خوفاً من صوت الرعد في الخارج، أضمُّ يدي على قلبي وأبتسم عندما أجد لون أحمر الشفاه الذي أحبه، وتلمع عيناي عندما ألمح أصابع طفل صغير.