إلى عشتار
غزل حسين المصطفى:
تحية طيّبة أيتها الآلهة!
اهتديت بفطرتي إليكِ أشكو سخطي وغضبي وقلّة حيلتي، أرجو أن أستطيع قصّ حكايتي دون أن تضجري وتملّي كلماتي.
_امرأة عارية تُثير مظاهر الفجور في مجتمعنا المحافظ، هذا ما قيل عنكِ ياعشتاروت حين اختاروا أن تكوني الحارس من جديد على الأزقّة الدمشقية، تقرئين معطيات المجتمع وتَشتمّين عبق الياسمين معنا، أردنا أن تُبارَك أنفاس الحب المريض عندنا لتعود الدماء إلى عروقه ويشتدُّ ساعده ويستأنف دوره في ربط القلوب وفكّ النزاعات وتلوين الدم السوري بلون واحد. (تحت سماء دمشق) مهرجانٌ أعاد خطّ تفاصيلك على جذعِ شجرة، فكان ذلك الفعل الفنّي الراقي منعطفاً إلى مسار الرذيلة عند بعضهم.
_إلى آلهة الحب والحرب والجمال والتضحية، على الرغم ممّا تلقاه الكثير من الإناث من التعنيف والذل والتهميش في مجتمعنا العربي، والقتل البشع تحت مُسمى (جريمة الشرف) التي راح ضحيتها الكثير الكثير دون أن تُحدث تلك الدماء المسفوكة خللاً في نظام كونٍ اعتاد ابتلاع الأنثى مع شهقتها الأولى موءودة لا ذنب لها، لكن هناك على الضفة الأخرى تُقيم إحداهن حرباً ضروساً مع نفسها وظروفها والمجتمع حتى تكون هي.
لن أفتح لكِ سجل حربنا المقيتة واستعرض صوراً لكياناتٍ مهشّمةٍ ضعيفة أعتقد أنكِ سمعتِ بأنينها ووصلك بوحها، إنما سأقص عليكِ ثُلّة من الأخبار.
_أيتها الألهة أفروديت، بات الطب عندنا يُدرس ولا يقتصر على أعشاب تُنقع أو تُدق، وعلى مقاعد الكليات نسمع حفيف الضفائر حين تُعانق كُرّاساتٍ جامعية أكاديمية، وعلى المنصّة تُكرّم الخريجات المتفوقات، وما وقفنا عند هذا المجال بل باتت الأنثى شريكاً أساسياً في كل التخصصات وميادين الحياة، فهي المُدرّسة والمديرة والقاضية، هي الجرّاحة والموّظفة والمهندسة.
ومازالت الحلقات الحوارية قائمة للوصول إلى حالة أفضل تُقدّم كمطلبٍ من المجتمع حتى يُعدّل ألوان الصورة الباهتة للمرأة وتعيد رسمها من جديد أُمّاً تُعطي أبناءها جنسيتها، وتحملهم بين أضلاعها حين السفر دون قيد لرقيب متربّص أو وليّ جائر، صورةً تجعل تعليمها فعلاً طبيعياً لا تحرّرٌ وعقلُ بيئة منفتحة سمحا لها.
أيتها الأم عشتار، أعرف أن ذلك الراعي ظلَّ يذبح خرافه حتى يحافظ على بقائك معه، وحين لم يبقَ بيده حيله تحوّل إلى ذئبٍ يسرق الغنم ويبحث عنكِ، أتراه هو ذاته قد تكاثر وبات يتجول بيننا مُتحرّشاً قذراً لا تردعه قيمه الإنسانية أو حتى ديانته السماوية، أستنجد بكِ لأن ذئب الحياة هذا يغرس أنيابه في جسد بعض الفتيات، وبعد كل ألمها ذلك تُجلد وكأنّها الجاني وليست الضحية، تتقدم بنا الحضارة شكلاً وأجهزة إلكترونية وما تقدمنا بذلك خطوة واحدة نحو بتر يد منتهكٍ.
عشتاروت، لا أدري ماذا أقول بعد، وعدتك ألاّ أقص الحكايا المرّة وألاّ أُطيل.
باتت بعض النقاط أمامك وأنتِ الآن بيننا فعلياً، لا أعلم هل أقول لك صبّي غضبك عليهم وأحرقيهم، أم تعالي نُسخّر كلَّ الطاقات لصنع معجزات نسائية بالمطلق تثير غضبهم كمنحوتتك البريئة تلك!
لا أعلم، القضية صارت ملك يديك.