جنون الأسعار… وهستيريا المعيشة!
غزل حسين المصطفى:
من سعر دواء والدي مثلاً ( إن وجدناه ولم يُقل لنا: مفقود، ابحثوا عن بديل) الذي قد لا يقدر موظف مسؤول عن عائلة أن يشتريه من مرتّبه الشهري ويقعد بقية أيامه دون حاجاته الأساسية، وصولاً إلى شتاء يقرع الأبواب وشبح الزمهرير الذي يقضُّ مضجع الجميع، في حين أن سعر المحروقات مرتفع وقد لا تتوفر بسهولة.
والكثير الكثير من النقاط التي كانت محور الحديث عن الوضع المعيشي والاقتصادي بيني وبين مجموعة أشخاص، عدت بعدها وأنا في طريقي أمقت نفسي بسبب حديثٍ ردّدته يتناول الجانب المادي للحياة، فقد راحت الأرقام تأخذ صداها في جملي وأنا ما كنت كذلك من قبل.
كيف يمكن لحياتنا أن تنقلب إلى أسعار؟!
كيف يمكن لسقف طموحاتنا أن يكون سعر صرفٍ مستقر حتى تستقر معه عواطف الجيوب الخاوية!؟
كيف يمكن لمواطنٍ عادي لا يهتم بالشأن الاقتصادي وبآخر ما حرّرته الصحافة السورية حول الوضع المادي أن يعرف أن هناك حلولاً تُطرح تحت قبب المراكز الثقافية والاجتماعات الدورية لأصحاب القرار، وهو لا يستطيع أن يتلمّس تلك الحلول في حياته اليومية وتبقى حبيسة الكلام!؟
كيف يمكن أن أجد جواباً لسؤالٍ طرحته منذ عدة أيام أمام باحث اقتصادي بعد أن أمضى ساعة وأكثر يُعدّد الحلول المُتاحة للخروج من هذه الأزمة فوقفت أقول: (منذ أيام قليلة خرجت علينا بعض الجهات المعنية على شاشات التلفزة تُبرز لنا جهودها الحثيثة في البحث عن حل، أين الحلقة المفقودة بينكم وبين المعنيين حتى أن أصواتكم لا تصل ومعاناتنا مستمرة وجهودهم في البحث تُهدر!؟ ) لم يكن لسؤالي أيُّ تعقيب سوى إشارات تعبيرية على وجهه تفضح قلّة حيلته في الرد.
كيف يمكن أن أقنع جدّي التسعيني أن رزمة الأوراق النقدية التي يحتفظ بها لوقت حاجته قد لا تكفي أسرة لمنتصف الشهر!؟
كيف يمكن أن يقنع جدّي الذي تحتله الأدوية فلا يستطيع الخروج للسوق كما كان قبلاً أن ورقة نقدية من فئة الألف لا تستطيع تأمين حاجيات المنزل ولو لوجبة الغداء فقط!؟
كيف يمكن أن تقنع شاباً عشرينياً ألاّ يفكّر بالهجرة وهو يرى مُرتّب والديه معاً يسوقانه للعمل بعد دوامه الجامعي ليُتِمَّ مصاريفه الاعتيادية بوصفه طالباً جامعياً بعيد كل البعد عن أيّ مظهر من مظاهر الترف أو الكمال!؟
كيف يمكن أن تقنع شاباً بالزواج ليكون كما أسلافنا يعيش دورة حياة إنسان طبيعي وسعر غرام الذهب بات خيالياً!؟ وبعيداً عن الذهب والفضة هل سيستطيع شراء شقّة أو حتى أن يستأجر!؟
كيف يمكن ألاّ تتحوّل حياتنا إلى أسعار وما بقي إلاّ النفس مجاني غير مُسعّر ولا تترتّب عليه ضرائب رسوم استهلاك أو رفاهية أو ضرائب جمركية!؟
وهنا راودتني كلمات سميح القاسم دون مناسبه لكنها رنّت في خاطري:
( إلى الله أرفع عيني
أرفع قلبي وكفي
يا ربّ حزناً حزنتُ
وأرهقني اليتم وأهلكت النار زرعي
وضرعي..
بكاءً بكيتُ
ويمّمتُ وجهي إلى نور عرشك
يا رب… جارت علي الشعوب
وسُدَّت أمامي الدروب
تضرّعتُ، صليتُ
بُحَّ دعائي وشَحّت ينابيع مائي
تمادى ندائي)!
هو شكى حاله لله وتأسّف، نحن شكونا وسنشكو حالنا لله لكن من سيأسف على شبابنا الضائع في دوامات الهموم والمشاكل، من سيأسف على وطننا وحالنا؟!
إلى الله أرفع عيني…