تقرير متميز وشامل على أبواب مخاطر كبيرة متوقعة

بولس سركو:

 ليس من قبيل التهويل القول إن العالم يتدهور نحو الكارثة الاقتصادية الأكبر بسبب سياسة العولمة الأمريكية، فكل المؤشرات، وبضمنها الصادرة عن البنك الدولي، تشير إلى أن الأزمة المالية القادمة على أبواب العام 2020 ستكون أخطر الأزمات التي شهدها العالم، في ظل غياب احتمالات الإنقاذ والحلول الممكنة وتفاقم الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وما تتركه من آثار سلبية على النشاط التجاري العالمي، إضافة إلى سياسة العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الدول، والحصار المفروض على تمويل البنوك الأمريكية لهذه الدول، ونفقات الحروب العسكرية، وما ينجم عن الفارق الهائل بين الدين العالمي العام الذي بلغ 250 تريليون دولار، وبين إجمالي الناتج المحلي للدول المدينة العاجزة عن تسديد حتى الفوائد القديمة المتراكمة التي يهدد خفضها بانهيار بنوك كبيرة .

هذه الكارثة الاقتصادية، إذا ما حدثت، فستشكل على الأرجح نهاية النظام الرأسمالي حسب توقعات العديد من المحللين الاقتصاديين الماركسيين، ومنهم على سبيل المثال الباحث رزق الله هيلان، في كتابه الصادر منذ عام 1998 عن دار الحصاد بعنوان (مقدمات اقتصادية لعصر ينتهي) الذي توقع فيه أن تصل تناقضات النظام الرأسمالي حد الانفجار خلال العقد القادم، وكيفية تحولات الأزمة الاقتصادية الى اجتماعية فسياسية، ومن المؤكد أن كل ماركسي حقيقي يدرك حتمية هذا الانهيار ويتأكد منه أكثر فأكثر وهو يشهد ما آل إليه عالمنا من وحشية وفوضى عارمة وتخبط نتيجة للسياسات اللبرالية الجديدة، من خرق للقوانين الدولية ونهب وبلطجة وإرهاب وإفقار وعدوان.

ولكنني لست بصدد نشوة التأكيد على صحة الماركسية هنا، من حيث نظرتها إلى التطور الرأسمالي، بقدر ما أنا قلق على الهوية الفكرية للبروليتاريا العالمية في وضعها الحالي كطبقة غير منظمة، تفتقر غالبيتها للوعي الطبقي، وتنهشها مختلف أشكال الدعاية، وما إذا كانت القوى الشيوعية العالمية في حالة فكرية وتنظيمية وشعبية تسمح لها بقيادة الشارع عند تحول الأزمة المالية القادمة إلى أزمة سياسية نحو تغيير الواقع؟ وما هو مصير الاقتصاد السوري في ظل إصرار حكومي على المضي في سياسة اقتصادية ليبرالية منحازة لطبقة الأثرياء، همّشت ملايين من السوريين ودفعت بهم نحو خيارات غير وطنية؟

في التقرير المقدم من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد إلى المؤتمر الثالث عشر القادم، عنوان فرعي من القسم السياسي (الحركة الشيوعية العالمية) يتحدث عن تغييرات طالت الأحزاب الشيوعية العالمية بعد انهيار التجربة السوفيتية وفق ثلاثة خيارات، الأول الأحزاب التي تخلت عن هويتها الشيوعية بالكامل وغيرت أسمائها وبرامجها وأنظمتها الداخلية ومرجعيتها الفكرية، وانتقل بعضها إلى مواقع الاشتراكية الديمقراطية، ويذهب بعضها الآخر بعيداً كلياً عن الخيار الاشتراكي، والثاني الأحزاب التي قررت الحفاظ على وضعها السابق كما هو، معتبرةً ما حدث في الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية مؤامرة دبرتها الدول الإمبريالية وأجهزة مخابراتها وتواطؤاً وخيانة من بعض قيادات الأحزاب من الداخل، وبالتالي ليس ما يدعو إلى إجراء أي تعديلات أو تغييرات في برامجها وأنظمتها الداخلية أو تجديد في المجال النظري والفكري. أما الخيار الثالث فهو الأحزاب التي حافظت على الهوية الفكرية والسياسية الشيوعية مع تجديدها، وإطلاق عملية توسيع الديمقراطية وتعميقها في بنائها التنظيمي.

وإن كانت الأحزاب الشيوعية حسب التقرير لا تزال تشكل حركة واحدة على النطاق العالمي في مجابهة الإمبريالية، إلا أنها أمام المخاض الكبير المحتمل قدومه هي بحاجة إلى تطوير عملها وخطابها وتحديث برامجها وبناء تحالفات مع أوسع القوى المناهضة للعولمة المتوحشة، والالتصاق بالجماهير وتوعيتها وتحريرها من الأضاليل وأشكال الدعاية التي استلبت طريقة تفكيرها وبرمجتها لخوض صراعات تلائم الأهداف اللبرالية المتوحشة وتتناقض مع مصالحها الطبقية، على عاتق الأحزاب الشيوعية تقع مهمة توجيه نضال الجماهير نحو مصالحها الطبقية وربطها بالمصالح الوطنية، وعدم التفريط بتلازم مساري النضال الوطني والطبقي، بذريعة أن هذا الربط طريقة بالية في التفكير في زمن العولمة بالعكس تماماً، فالفصل بين المسارين يحمل خبثاً ومكراً استعماريين قد يمر على بعض أصحاب التفكير الانفعالي غير الجدلي، فأخطر ما يواجه أية تحركات جماهيرية محتملة في الواقع الجماهيري الحالي المنقسم والمشتت هو أن تتمكن القوى اللبرالية الجديدة، بما تمتلكه من وسائل الخداع والتضليل الدعائي الإعلامي على المستوى الكوني، وتحت ضغط هزيمتها الوجودية المرتقبة من اعادة إنتاج ذاتها عن طريق قيادة حركة الشارع نحو حتفها بشعارات زائفة وأوهام مفبركة بواجهة تحررية، لذلك فإن مهمة إيجاد الشيوعيين للوسائل العصرية للالتصاق بالجماهير تبدو من أهم المهام الأساسية الملحة المطروحة في هذه اللحظات المتسارعة.

على صعيد الاقتصاد السوري في وجهته اللبرالية الجديدة، لا بد من الاستفادة من درس تاريخي مؤلم مستمر منذ أكثر من ثماني سنوات من الموت والدمار الذين لم يمرا على بلد آخر هما نتيجة لسياسة اقتصادية أفقرت ملايين السوريين وحولتهم إلى وقود للمشروع الخارجي، ومن المؤكد أن بلداناً تمتلك اقتصادات قوية ستصيبها الكارثة المالية، فكيف ببلد محاصر مستمر في السياسة الاقتصادية نفسها التي أدت إلى دماره!؟

بالعودة إلى تقرير اللجنة المركزية للحزب، في فصله الثاني المتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، حدد الحزب رؤيته بضرورة تحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية للتنمية الشاملة والمتوازنة والعادلة لكل أجزاء الوطن ومواطنيه واتباع نهج اقتصادي تعددي إلى جانب قطاع عام فعال ومعالجة الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية التي تم تنفيذها بشكل غير مسؤول قبل الأزمة وخلالها، من أجل تجنيب البلاد العودة إلى أزمات مشابهة في المستقبل. ووضع الحزب جملة من الأولويات للعمل في المرحلة المقبلة أهمها:

1- عقد مؤتمر وطني للتوافق على رؤية اقتصادية واجتماعية للمرحلة القادمة

2- إصلاح البنى التحتية وتأهيلها.

3- إصلاح القطاع العام.

4- إعفاء العمال والموظفين من الضريبة المفروضة على الرواتب وتنفيذ زيادة عادلة عليها وتحسين أوضاع الفئات الفقيرة.

5- تشكيل فريق عمل مختص لمواجهة العقوبات الأحادية الجانب التي فرضتها بعض الدول على سورية.

6- تطوير التبادل التجاري والتعامل بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار مع الحلفاء والأصدقاء.

7- تشجيع عودة المهجرين والكفاءات الفنية والاستثمارية للبلاد.

8- تقديم التمويل السهل للمنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة وإعادة دوران العجلة الاقتصادية.

9- اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين.

لا شك أن تنفيذ هذه الإجراءات بشكل عاجل سيحدّ كثيراً من تأثر الأزمة المالية وسيضع البلد على طريق النهوض والنمو وسيبني نمطاً جديداً من العلاقة بين المسؤول والمواطن، بينما عدم تنفيذها والاستمرار في السياسة الاقتصادية السابقة سيزيد خط الفقر انخفاضاً لملايين السوريين الذين يعيشون تحته، وكذلك البطالة والحرمان والأمراض والفساد والجريمة (السرقة والخطف والقتل والدعارة)، والنزوح وهجرة الشباب والكفاءات، سترتفع أسعار الغذاء والوقود، وتجر وراءها ارتفاعاً في أسعار كافة السلع، ستتراجع الموارد والإنفاق الاستثماري والاحتياطي من النقد الأجنبي وقيمة العملة الوطنية والزراعة والصناعة، وحينئذٍ من يستطيع أن يوقف صراخ الجائعين المهمشين؟

العدد 1104 - 24/4/2024