القلق الأوربي من الاجتياح التركي
صفوان داؤد:
بعد عمليتي (درع الفرات) و(غصن الزيتون) العسكريتين، بدأت أنقرة عملية ثالثة أُطلقت عليها اسم (نبع السلام). ولم تمنع التصريحات والإدانات الدولية الرافضة لهذه العملية وفي مقدمتها الاتحاد الاوربي، حقيقة أن حجم الهجوم الذي شنه الجيش التركي وطبيعته، إنما يدلان على أنه جرى بموافقة ضمنية من دول كبرى. كما لم يُسعف عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بدعم أوربي بعد يومين من بدء العملية، إحداث أي تأثير على مجريات الأمور، وانتهت دون اتخاذ أي قرار حيال عملية الاجتياح. لكن ماهي حقيقة العملية التركية في الشرق السوري، إذا استثنينا الاهداف المعلنة لأنقرة؟
الهدف الحقيقي من العملية عند تركيا هو القضاء على (قوات سورية الديمقراطية) التي سيطرت على الشرق السوري، وأنشأت منطقة متمتعة بالحكم الذاتي. وليس عدو أنقرة (تنظيم الدولة) أو الدولة السورية. لكن الكرد السوريين لم ينووا للحظة تهديد تركيا. ولا يمتلكون القوة العسكرية والدعم الدولي اللازم لتحقيق ذلك. لذلك لا يمكن وصف العملية العسكرية التركية سوى بالاجتياح الغاشم، ولم تكن للحظة للدفاع عن النفس ولا أنها لسبب إنساني؟ كما يدّعي القادة الأتراك.
حملت عملية الاجتياح في الجوهر نوعاً من سياسة الهروب للأمام، غذ يُواجه الرئيس رجب طيب أردوغان صعوبات داخلية متفاقمة. فقد أثار تقدم (حزب الشعوب الديمقراطي)، ذي الأصول الكردية، إلى المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية، قلق النظام التركي، ما دفعه بعملية غير ديمقراطية ووقحة إلى إلغاء هذه الانتخابات لاحقاً. لكن هذا لم يمنع توقعات بانهيار حزب العدالة والتنمية في المستقبل القريب. فخسائره الكبيرة في انتخابات البلديات لصالح المعارضة، وبروز شخصيتين هامتين من حزبه، هما علي بابكان وأحمد داوود أوغلو، على وقع معاناة الاقتصاد التركي، جعلت أردوغان يتخبط ويفكر بمحظورات التوازنات الدولية. مستخدماً العصبية القومية لاستنهاض الأمة التركية وحشد غالبية الشعب حوله. ومهدداً بكل صفاقة بـ(فتح البوابات) أمام المهاجرين نحو القارة العجوز. وفي عاصمة الاتحاد الأوربي عُقِد اجتماع ناقش في أول بنوده بلورة موقف من الاجتياح التركي لسورية، لضمان حماية المصالح الأوربية، وتجنّب أي عمل استفزازي أو متهور من الرئيس التركي. لكن يبدو أن لا سبيل لبروكسل سوى الانخراط الجدي والمباشر مع موسكو وأنقرة لضمان مصالحها، وتثبيت ترتيبات وأولويات معينة في مقدمتها ضمان الأمن الدولي وقضية المهاجرين. كما سيتعين على دول الاتحاد الأوربي وعلى رأسها فرنسا الأخذ بعين الاعتبار الخطر الجدي حول إمكانية إعادة ظهور (تنظيم الدولة) الذي بات من الواضح أنه لا يزدهر إلا في الجغرافيات المضطربة، وهو أمر يثير قلقاً عميقاً لدى أجهزة الاستخبارات الأوربية. لكن التحوط في مسألة أمنية كهذه، متعددة الجوانب والواسعة النطاق سيكون أمراً عسيراً. لذلك وجدنا الرد العملي الخجول للاتحاد الاوربي على عملية الاجتياح، واكتفى بفرض حظر ووقف صادرات الأسلحة الى الجيش التركي. ولتجنب الكاريزما الشوفينية الطورانية لأردوغان، سيكون قادة الاتحاد الأوربي مضطرين للإبقاء على الحوار مع أنقرة حول قضية المساعدات الأوربية للاجئين السوريين في تركيا، التي أُقرت العام الماضي، تدفع من خلالها أوربا حوالي 6 مليارات دولار للجانب التركي، ريثما يتم التوصل إلى حل سياسي للمسألة السورية. عندئذٍ يمكن الحديث عن إعادة توطين حقيقية أو عودة اللاجئين إلى ديارهم.
غير أنه غالباً ما وقع الاتحاد الأوربي ضحية تباين مصالح أعضائه. لكن هذه المرة المسألة حساسة جداً، إذ يتوجب على الأوربيين معالجة قضية امنية بهذه الخطورة مُخِلّةً بالتوازن الدولي ومُمثّلةً باحتلال تركيا لأراضٍ أجنبية، أن يترتب عليها تكوين رأي جماعي حازم ومتماسك، وليس فقط ألمانياً أو فرنساً، لأن أي تهاون من أوربا الموحدة سيجعل لأنقرة حيزاً أوسع للتهرب من أي قرار يمكن أن يُتخذ. وستكون المصالح الأوربية فعلياً على المحك.