كي لا ننسى | أولغـا جبور.. مناضلة صعدت على أدراج المستقبل
يونس صالح:
في أواخر آذار من عام 2005 توقف قلب شيوعية ومناضلة كرست حياتها الواعية بأكملها للدفاع عن مصالح شعب سورية الكادح، وعن مستقبل أفضل، مشرق ووضاء للوطن.
لم تكن أولغا جبور التي ولدت في أواخر العشرينيات من القرن الماضي في أسرة دينية متنورة نتاج تراث إنساني متكرس في محيطها وبيئتها الدمشقية فقط، وإنما كان لرهافة حسها، ونبلها وإحساسها العميق بآلام الآخرين، دور كبير في توجهها اللاحق، وفي سيرها على طريق شاق وصعب، طريق النضال من أجل العدالة ومن أجل كرامة الإنسان وحقه في العيش بصورة أفضل.
انتسبت إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري عام 1959 في ظروف صعبة جداً كان يعيشها، وكانت تهمة عضو في الحزب الشيوعي تودي بأي شخص إلى السجن وإلى التعذيب. قلائل جداً من كانت لديهم الشجاعة في ذلك الوقت كي يهبوا حياتهم للنضال من أجل الحريات الديمقراطية، ومن أجل حقوق الشعب العامل، ومن أجل حرية الكلمة.
لقد أقدمت هذه الإنسانة الرائعة على المخاطرة بنفسها دون تردد من أجل قضية دخلت إلى أعماق قلبها، وتمركزت هناك، ومع ذلك فلقد كان لتعرفها على ابن بلدتها ورفيق دربها المقبل المناضل الشيوعي ناصيف خوري، ابن الأسرة التقدمية التي قدمت الكثير للحركة العمالية السورية، تأثير كبير على تطور حياتها.
ارتبطت حياة هذه الأسرة الصغيرة بقضية الشعب، بأفراحه وأتراحه، وقدمت هذه الزوجة هذه الامرأة زهرة شبابها من أجل الفرح.
اعتقلت نهاية عام ،1959 ودخلت سجن المزة، وبعدها سجن القلعة، إلا أن السجن الإفرادي الذي عانته وكان وسيلة للعزل والقتل البطيء، لم يستطع أن يفصلها عن العالم، وضعت آمالها في أدراج المستقبل وحماها ذلك من السقوط في خيبة الحاضر، ولذلك تحملت وحدة الزنزانات، ورفضت الشعور بالوحدة، وعندما خرجت من السجن كان منزلها ملتقىً للرفاق في ندواتهم. كانت بالنسبة لهم كالأم الرؤوم، تتقاسم هي ورفيق دربها معهم لقمة العيش. كان عملها المهني في المجال الصحي، وعملت في قطاع التمريض، وفي المستشفيات، وكم هي كبيرة تلك المساعدات التي قدمتها للمرضى، للتخفيف من آلامهم. كانت تعرف أن تتألم، وتعرف بصورة أعظم أن تمزج ألمها بآلام الآخرين، وتعرف أن تفرح، وتعرف بشكل أروع أن تعمل لفرح الغير، عبر التضحية التي تبلغ حد الاحتراق لإنارة الظلمة. عاشت حياتها الآسرة لأجل السرور، ومن بساطتها سطعت لألاء سموها.
فلنؤدّ الاحترام لها، ولكل من بشّر بكلمة الحق، وقاتل في سبيلها.. ولتبقَ ذكرى هذه المناضلة، هذه الإنسانة الملتصقة جذورها عميقة في تربة الوطن، باقيةً في أذهان المناضلين والمناضلات الذين سيأتون في المستقبل، والذين سيزرعون أرض الوطن أزهاراً ووروداً، حاملين معهم تراث أجدادهم وجداتهم الذين وضعوا اللبنات الأولى في مسيرة حياة الإنسانية إلى مستقبل أفضل.