بالحبّ وحده يحيا الإنسان

عباس حيروقة:

لأننا في عالمٍ ممزقٍ من كلِّ الجهات، تتقاذُفُه رياحُ القمعِ والقبح والعنفِ والاستبداد، فما علينا إلا العملُ جادّينَ على البحثِ عن أيةِ بواباتٍ ولو ضيقةٍ لإدخال ما نستطيعُ من علوم الجمال والأخلاق والحريات والمحبةِ والروحانياتِ، لتطهيرِ النفوسِ والأيامِ من أدرانِ الخرابِ المُعرّشِ والمُشرِّش بينَ الأناملِ فوقَ الرموش.

ما علينا إلا العودةُ إلى القوى الحيّةِ الكامنةِ في دواخلنا، قوى الوعي والفن والإبداع، لأن ليسَ سواها بقادرٍ على التأسيسِ لمستقبلٍ مزنّرٍ بالجمالِ يمكنُ أن يَليقَ بكنه الإنسان وطاقاته، ويعززُه سيداً للمخلوقات.

ولأن هذا الواقع يرفلُ بالحاقدين وبالمتجبرين، يرفلُ بكراهية الكل للكل، واقعٌ فقد بديهيات الالتزام بالقانون أو حتّى بالعرفِ الاجتماعي، فأصبح يفيضُ بالزنى الفكري والمعرفي والاجتماعي، لنرى اللقطاء الذين تطاولوا ليطولوا كل شيء، يتحكمون بالعباد والبلاد.

كيف لا وهذه أزمنتهم المكدّسة بالعهر وبالفقر وبالقهقهات؟

لذا، لا بدّ من الفن عامة والشعر خاصّة باعتباره الشكل الأهم ولأرقى لأي نشاط اجتماعي. لا بدّ منه ليطهّر الإنسان مما تراكم من تشوهات وأدرانٍ أفرزت نظماً طفيليةً ذميمة. ليطهّره، نعم، وهذه هي وظيفة من وظائفه كما يراها أرسطو في (فن الشعر).

لابدَّ منه لتعزيز كل القيم والأخلاق التي ترقى به ليتبوأ مكانته: خليفة الله على أرضه، لتعزيز الجمال والتدرب على تأمله ومعايشته، الجمال الذي نادى به ديستوفسكي كمنقذ للبشرية.

ونلاحظ الآنَ أن هذه الزياداتِ في التشويه لم تشكلْ صدمةً عند المجتمع، لضرورة التوجه نحو علاقاتٍ جماليةٍ على مستوى الذاتِ والموضوع من خلالِ البحثِ عن بديهيةِ وفطريةِ الإنسان قبل تولّد الصراعات التاريخيةِ التي ولّدت الانقسامات على صعدٍ عدّةٍ، لا بل على العكسِ إذ نجدُ الإصرار على الإمعانِ بسراديبِ الحياةِ وأقبيتها الرطبةِ التي وشمتنا بعفنها ورائحتها الممتدةِ إلى أقاصي نبضنا.

نجدُ الابتعادَ والعزوفَ عنِ الفنِ عامةً والأدبِ أو الشعر خاصةً، وما هذا إلا عزوفٌ عن الجمالِ بوصفه حقيقةً مثلى، عزوفٌ عن وعي وتأملِ الذاتِ التي بحاجةٍ إلى مجموعةِ علاقاتٍ سليمةٍ مع الظواهرِ والأشياءِ المحيطةِ لتحققَ توازنَها، وتحدّد موقفَها تجاه العالم. لذلك نحاول دائماً الهروب إلى ظلال القصيدة وأفيائها، لمواجهة الواقع الذي يضيق فيه كل شيء على كل شيء (النفوس، القيم، السماء، الأرض … الخ).

دائما نحاول رسم الآفاق التي نتشهّى، نحاول من خلال الشعر تجميل صباحاتنا الخجولة، نحاول تجميع بعض زهور الياسمين والقرنفل والنرجس، في وعاء أيامنا المحزنة، آملين تبديد بعض أحزاننا مع كل فنجان قهوة أو أغنية لفيروز أو ابتسامة الأمهات لأطفالهنَّ.

مع دفقة نهر تجاه تربة عطشى، مع إشراقة شمس على أزهار شرفة من نحب

من هنا نقول بضرورة العمل معاً للمضي تجاه عالم مزنّر بالحب، بالخير، بالجمال، تجاه سوريتنا النور، سورية البياض الكثيف، تحت شعار هام جداً، وهو: بالحب وحده يحيا الإنسان.

العدد 1102 - 03/4/2024