سيكولوجيا المراهقين تدفعهم نحو الكلاشينكوف على حساب الأقلام

سامر منصور:

بعد سياسات ترحيل الثروات، وخاصة تلك الزراعية التي مارسها الاحتلال العثماني، يُضاف إليها تحمّل السوريين لموجات القحط والجراد سواء التي تعصف بأراضٍ سورية أو بأراضٍ تركية، كل هذا جعل أبناء شعبنا يُصابون بـ(فوبيا) الفقر، وعندما تطوّرت سورية لتتحوّل إلى دولة فيها جامعات، ودخلت ميادين الصناعة والتجارة والمأسسة، شكّلت الشهادة الجامعية وحتى بعض الشهادات الأدنى بارقة أمل، لضمان عدم الانزلاق إلى ما تحت خط الفقر. ويُعدُّ الشعب السوري من أكثر الشعوب العربية إنفاقاً على التعليم نسبة إلى متوسط الدخل، وذلك ليس حباً للعلم فقط وتقديراً له، بقدر ما هو اتقاء لمذلات الفقر، واليوم يندرج كثير من حملة شهادات التعليم الثانوي وعدد من حملة الشهادات الجامعية في فئة أصحاب الدخل المحدود، تلك الفئة الأكثر تضرّراً بسبب موجات الغلاء وارتفاع أسعار صرف الدولار، وبالتالي لم تعد متلازمة الشهادة الدراسية والنجاة من الفقر قائمة، فحتى الخريج الجامعي ممّن يفتح مكتباً هندسياً أو عيادة صحية خاصة.. الخ لا يستطيع جني الكثير، فتدني دخل المواطن السوري الذي فرضته الحرب بأبعادها التخريبية والابتزازية، إضافة إلى الحرب الاقتصادية التي يشنُّها ترامب مُضافاً إلى كل ذلك الفساد وتحالف حيتان المال وازدياد نفوذهم، كل هذا يجعل حملة الشهادات الجامعية لا يستطيعون أن يتقاضوا من المواطن ما ينصفهم في ظلّ غلاء المواد التي يستخدمونها كالمواد الطبية مثلاً، لأنه لا قدرة للمواطن على الإنفاق لتغطية كل هذه الاحتياجات.

وتستمر سلسلة هجرة العقول لتُشكّل هدراً هائلاً للمال العام الذي يُنفق على التعليم بكل مراحله، لتستفيد الدول التي يُهاجر إليها السوريون من ثمرة تعلّمهم. من هنا برزت أسباب ابتعاد أعداد ليست بالقلية من السوريين عن الثانويات والجامعات إضافة إلى ضغوط الحرب التي نعرفها من وجود قتلى ومفقودين ومعاقين ومهاجرين من الآباء لم تستقر أحوالهم، ممّا زاد من عمالة الأطفال ليكونوا مُعيلين بشكل جزئي للأسرة، وخروج عدد كبير من المدارس عن الخدمة في المناطق التي كانت رحى الحرب تدور فيها، وفتح المجال للمراهقين والجيل الصاعد لكسب المال بما يزيد عن متوسط رواتب الموظفين من حملة الشهادات المتوسطة كالشهادة الثانوية وشهادات المعاهد المتوسطة، عبر تسهيل وتشجيع هؤلاء للانتساب إلى ما يُسمى تنظيمات وجمعيات ومجموعات القوات الرديفة، التي تمنح الشّاب مقدرة على الاستقلالية المادية وعلى اكتساب مكانة وحظوة اجتماعية أيضاً.

لذا، أرى أن السوريين اليوم هم في أدنى مستويات إقبالهم على التعليم، منذ الاستقلال عن المحتل العثماني، ومن خلال كوني مديراً وجزءاً من فريق تنسيق أحياناً أخرى لما يزيد عن مئة وخمسين نشاطاً ثقافياً رسمياً وشعبياً، منذ أن بدأ الحرب على سورية وحتى اليوم، أستطيع أن أقول إن الأميّة وصلت إلى الأوساط الثقافية بحيث نجد دُمىً مؤدلجة سطحية التفكير لديها أميّة بالتاريخ والدساتير ومفهوم المواطنة وعلم الاجتماع وعلم النفس، إضافة إلى جهل كبير بمبادئ اللغة العربية، حدَّ أن مستشارة لأحد الوزراء تحمل دكتوراه في الإعلام كانت مشاركة في فعالية بصفة أدبية، كانت تُخطئ بمعدل مرة كل ثلاث جمل تنطق بها، إذاً نحن وصلنا إلى مرحلة فيها شعراء وكتّاب وقاصّون أشباه أميين! والحلول باعتقادي تبدأ من تحسين الحالة المعيشية للمواطن قدر المستطاع، بالتزامن مع إنصاف القامات العلمية والأكاديمية ومُضاعفة أجورهم كي يُصان التعليم ويعود الإقبال عليه كما كان. ويجب زيادة أجور ذوي الدخل المحدود على نحو خاص، فهم أكثر من تضرّرت لقمة عيشهم خلال الحرب الغاشمة على سورية.

العدد 1104 - 24/4/2024