عودة عكس عقارب الزمن
وعد حسون نصر:
النكوص إلى الخلف بعكس عقارب الزمن هو حالنا اليوم بعد الحرب السورية، وليس فقط في مجال المعيشة والأمان …الخ. بل في كلّ المجالات، ولعلّ للتعليم في كل مراحله النصيب الأكبر، إذ ارتفعت نسبة الأميّة ارتفاعاً كبيراً بفعل عوامل عديدة، أهمّها التّهجير وهدم المدارس نتيجة الحرب، التّشرّد، الفقر، فقدان الأهل، بقاء الأطفال دون معين وعرضةً للتعنيف والاستغلال بكل أنواعه، كالعمالة التي ارتفعت نسبها اليوم حتى بات أغلب أطفال المجتمع السوري المعين الوحيد للأهل، ممّا اضّطر الطفل إلى ترك المدرسة والتوجه للعمل، ،وتُبيّن اليونيسيف في آخر تقرير لها حول تعليم الأطفال في سورية أن 2.1 مليون طفل سوري يعيشون خارج مقاعد الدراسة، كما أشارت إلى أن هناك نقصاً حاداً في الإمدادات، إضافة إلى الحاجة لتأهيل غرف دراسية، والحاجة لملء وظائف مدرسية شاغرة، كل هذه الأسباب حرمت الطفل السوري من العلم وجعلتنا نعود إلى الخلف، وبدلاً من القضاء على الأميّة بشكل نهائي، ازدادت نسبتها في المجتمع، وأضحى جيلٌ بكامله خارج قافلة العلم، وهنا المشكلة الأكبر لأن الجهل هو السبب المباشر لكل أعمال التخريب في أيّ مجتمع، لذا بتنا نلاحظ أغلب أبناء الجيل متسكعين في الطرقات، وعرضةً للعنف الجسدي والنفسي، مقهورين يلفظون أنفاسهم مع كل صفعة على وجوههم البريئة، لا يستطيعون الردَّ أو التذمّر، زاد الجهل ليس من ناحية العلم فقط بل من نواحٍ أخرى مختلفة، فصنعنا بأيدينا جيلاً بات كلٌّ منهم مشروع مجرم أفرزته حرب غاشمة دمّرت النفوس قبل المدن، ونرى المجرم المدفوع للإجرام من قبل الآخر لاستغلاله بسرقة وما شابه، أو المدمن، أو المُستغل جنسياً، وهنا علينا ألاّ ننسى أن الأميّة بكل أشكالها من أهم العقبات التي تواجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي أهم مظهر من مظاهر التخلّف الإنساني، كذلك لابدَّ أن نُدرك أن التعليم هو تنمية للثروة البشرية، فالدول التي تعاني من الأمية تفتقد حتماً إلى الثروة البشرية المؤهلة لتنمية المجتمعات ورقيها، فالتعليم يدخل في نطاق التنمية الاقتصادية والبشرية على كل الأصعدة الأكاديمية والمهنية، فيؤدي إلى التحرّك الاجتماعي وإعادة توزيع الدخل والثروات وزيادة نسبة العاملين في المجتمع تزيد الإنتاج فيندحر الفقر، وهنا لابدّ من إعادة التأهيل ليعرف الجيل حقوقه وواجباته، من خلال المدارس وتطوّر الكادر والعملية التربوية والتعليمية ومراكز الإعداد النفسي والتربوي والمنظمات الأهلية والإنسانية على المستوى الوطني، مع مراعاة خصوصية المناطق لما يوجد من تفاوت بيئي وتاريخي فيما بينها لنتمكّن من النهوض بجيل جديد خالٍ من العنف وبعيد كل البعد عن الجهل والتخلّف، مُدركاً لحقوقه وواجباته، وبذا نمحو معه الأميّة من حياتنا للأبد.