صغيرتي غدت أنثى ناضجة
غزل حسين مصطفى:
جنى أو(جوجو) صغيرتي التي أحب، كانت محطَّ اهتمامي منذ بداية رحلتها في الحياة، فقد أصبحت فرداً من أفراد أسرتي، بحكم أنها وعائلتها يقطنون في المنزل المجاور لنا.
ما إن بدأت تُدرك الحياة وتلتقط الأشياء حتى علّمتها مسك القلم، حاولت أن أتسلّل إليها عبر الأقلام الملونة، يوماً بعد يوم باتت الورقة شغفها، وبحروف مازالت تتلعثم بنطقها تقول إنها تُريد أن تدخل الجامعة مثلي، لتملك كل أقلامي وكُتبي.
دارت الأيام وابتعدت عنّا، فقد عادت تلك العائلة إلى منطقتها الأصلية، لم يتعدَ غيابها بضعة أشهر، فعادت صغيرتي وراحت تحدّثني عن ابن خالتها الوسيم، وشوقها لأن تملك مصاغ ذهبٍ يوازي ما حازته قريبتها حين عُقد قرانها. طفلتي التي لم تتجاوز أربع سنوات، جاءت تسألني عن مواصفات (العريس) الذي أريد.
وفي زيارتها التالية، كانت تحمل لي سرّها، عن طفلٍ جلس إلى جوارها في عيادة طبيب العيون، وابتسمت له، فقام بتقديم بعض الحلوى لها. ربّاه! كيف لتفكيرها الطفولي أن يُلوَّث، فيغدو هذا الحادث البسيط أمراً جللاً؟ لم تُسعفني قواي أن أتحمّل رؤية صغيرتي تتحول بهذا الشكل، كنت على يقين أن رغبتها في استملاك أقلامي الملونة لم تتغيّر.
جوجو.. مازالت أقلامي تنتظركِ، ستكونين طالبة مثلي، أليس كذلك!؟
وبنظرة لا تسعفني الحروف على وصفها، رمقتني جنى، وابتسامة ماكرة لم تكن من صنعها، بل كانت قد قلّدت فيها إحداهن، على ما أعتقد.
أجابت: (أنا بدّي صير متل ماما وخالتي، أريَح من عذاب الفيقة بكّير!). وهنا كانت الصاعقة، طفلتي غدت أثنى ناضجة بلا ملامح جسدية تُثبت ذلك، امتصّت كل أحاديث (صبحيات نساء الحارة) وجاءت تُمطرني بها، أقسم إنني ما كنت أقدر على تحمّل ذلك، كانت رغبتي الوحيدة أن أصل إلى دماغها وأعيد تنظيفه وترتيبه، ليعود إلى براءته.
أنا على ثقة تامة أنها تقول ما لا تُدرك، ولكن هذه الطفلة تشرّبت ما هو أكبر منها، ستتوسع مداركها يوماً بعد يوم وتصبح تلك الجُملُ الملغومة وغير المفهومة نبراساً ترسم حياتها على أساسه!!
شتّان ما بين جنى وشابّة أعرفها مازالت تشتاق إلى دميتها بعد نهارٍ جامعي طويل، تُبهرها الإنجازات العلمية لأحدهم، تقضّ مضجعَها روايةٌ صدرت ولم تستطع حيازتها بعد.
المشكلة ليست في الأنثى بحدِّ ذاتها، مشكلتنا في القالب النمطي الذي تطرحه كل بيئة على هذه الأنثى، لتكون عروساً في الرابعة عشرة من عمرها، أو سيدة مجتمع تُباري أقرانها وتحاول جاهدة أن تُرسي ركائز شخصيتها وأحلامها.
حين تُسأل عن عدد أطفالها قبل تحصيلها العلمي، حين تُقيَّم تبعاً لجمالها وعدد الخاطبين، لا بعدد الشهادات العلميّة التي استطاعت أن تنالها.
كلامي ليس هجومياً أو تحريضاً لقبول فكرة عدم الزواج والخروج عن المألوف، الزواج سنّة الكون، ولكنه ليس محوره الأساسي، الأنثى تحمل في تكوينها غريزة الأمومة، ولكنها إنسان يستطيع القيام بمجموعة مهام تُعزّز من وجودها وتُسهم في بناء ولو لبنة واحدة في المجتمع.
أن نُطالب بخوض الأنثى للحياة العلمية والعملية لا يعني بالضرورة، كما يفهمها بعض المُتشدّقين، أننا نُريد تقمُّص دور الرجل.
خُلقنا في الحياة سواسية، صفات بيولوجية تُميّزنا، لم يُخلق الذكر بعقلٍ دون قلب، ولا خُلقت الأنثى بقلبٍ من غير عقل.
أبعيدة هي رؤيتنا لهذه القضية وهي تتحول إلى واقع لا يحتاج إلى المطالبة به!؟