عامٌ جديدٌ… بالأمنيات والآمال ذاتها
إيناس ونوس:
عاود العام الدِّراسيُّ تجديد نشاطه، وابتدأت رحلةٌ جديدةٌ، انطلق الطُّلاب بمختلف مراحلهم الدِّراسية إلى مدارسهم، وعاد إلى الشَّوارع صخبها المرح الذي افتقدته خلال العطلة الصَّيفية.
وكما في كل عام نُجدِّد بدورنا الأمنيات والآمال بأن يكون عاماً جديداً مُتجدِّداً بكل ما للكلمة من معنى، مُتمنّين أن يكون عاماً مختلفاً عن سوابقه، لاسيما من السَّنوات العشر الأخيرة. وأخص في حديثي هنا بالتَّحديد ما يتعلّق بمراحل التَّعليم الأولى، أي ما قبل الجامعة فقد شهدت المدارس في الفترة الماضية أكثر من تغيير وتعديل للمنهاج المدرسي الذي يزداد تعقيداً وتشعُّباً، جميعنا، مربّين وأهل وطلاب بغنى عنه، لأنه أدخلنا في متاهاتِ التَّأويل في غالب الأحيان، لعدم وجود مرجعية واضحة ومحددة تدلنا على الصَّواب، ذلك لأن القائمين على هذه العملية أنفسهم غير قادرين على متابعتها وتقديم الحلول النَّاجعة في حالات الاستعصاء التي كثيراً ما حدثت، لا سيما في المواد الأجنبية (انكليزية وفرنسية). أضف إلى أن المنهاج يعتمد التَّكثيف المبالغ به، وضخّ المعلومات المُتعدّدة والمختلفة والكثيرة التي لا يمكن للطالب استيعابها معاً، خصوصاً أنه مع كل محاولات التَّخلص من التَّلقين إلاّ أنه لا يزال قائماً عليها، بحكم عدة أسباب، منها على سبيل المثال وليس الحصر:
* انعدام البنية التَّحتية المُهيَّأة له في مدارسنا، والمقصود بها الأبنية المدرسية وتجهيزاتها، من مخابر وباحات وصفوف ومقاعد تتسع للأعداد الهائلة الموجودة …إلخ.
* عدم كفاية تأهيل الكوادر التَّدريسية بما يتناسب مع تلك المُتغيّرات، مع العلم أن المُدرّسين لم يعودوا يمتلكون الوقت لكثرة الدَّورات التَّدريبية والتي تكون على مدار العام بما فيه العطل، إلاّ أن الفائدة والنتيجة الفعلية لا تنعكس على أرض الواقع، لأن هذه الدَّورات بعيدةٌ كل البعد عن الواقع الفعلي، والقائمون عليها لا يهمهم إلاّ تنفيذها كخططٍ دوريةٍ يستفيدون منها مادياً في نهاية المطاف، أما ماذا بعد فحدث ولا حرج، خصوصاً في ظلّ النَّقص في الكوادر والاعتماد على المكلَّفين والوكلاء الذين هم أشخاصٌ إمّا لا يزالون طلبةً جامعيين يحتاجون للعمل، أو أناسٌ لم يجدوا عملاً آخر، فاتجهوا إلى التعليم، ويجري قبولهم فيه بحكم الحاجة بغض النَّظر عن المؤهلات العلمية والكفاءة والقدرة على القيام بعملية التَّدريس التي تحتاج إلى برمجةٍ محكمةٍ وربط بين التَّربية والتَّعليم، ولا تقتصر على إلقاء المعلومة فقط التي في غالب الأحيان تكون ناقصة إن لم تكن مغلوطة. وبعد كل هذا.. فإن أي تقصير يتحمَّله المدرس وحده!!
*عدم قدرة كل الأسر على مجاراة متطلبات هذه المناهج التي تفوق طاقاتهم المادية والمعنوية والزَّمنية في ظلّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الأُسر السُّورية جميعها، إذ يعمل الأهل_ إن وجدوا_ خارج المنزل أكثر من فترة لتأمين مستلزمات المعيشة، لذلك فهم غير قادرين على متابعة ما يحصل مع أبنائهم تربوياً ونفسياً من جهة، ومن جانبٍ آخر فإنهم لا يملكون من الوقت ما يكفي لمساعدة أبنائهم في تلبية متطلبات المدرسة من مشاريع وأعمال أو واجبات منزلية تكلفهم أيضاً مبالغ طَّائلة، ثم تُركن في النِّهاية في الزَّوايا المعتمة للمدرسة في أفضل الأحوال.
مع بداية كل عامٍ دراسيٍّ جديد، نسمع تصريحات المسؤولين في وزارة التَّربية فنظنُّ أنفسنا في كوكبٍ آخر، وما إن تمضي بضعة أيام حتى نعود إلى الواقع ذاته، بل وللأسف الشَّديد فإن هذا الواقع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، خصوصاً أنه يترافق وعلى مدى العام الماضي وفي هذا العام مع أجندةٍ زمنيةٍ مرهقةٍ جداً للجميع كوادر وطلاب وأهل، وغير منسجمة مع العديد من الفئات الاجتماعية من حيث توقيت العطل والامتحانات، وأُحدّد هنا ما يتعلّق بامتحانات منتصف العام والعطلة الانتصافية المُتزامنة مع عيدي الميلاد ورأس السَّنة، ولنا أن نتخيّل حجم الإرهاق والتَّعب الذي يعاني منه الأهل والطُّلاب الذين يحضِّرون للامتحانات في الوقت الذي يُفترض بهم أن يتجهزوا للأعياد. أظن أن من اعتمد هذه الأجندة لم ينتبه جيداً لحال الطُّلاب في هكذا فترة ومدى إمكانيتهم على التَّحضير الجيد للامتحانات في فترةٍ مخصصةٍ للتَّفرُّغ للاحتفال بالأعياد، وهذه شريحةٌ واسعةٌ من مجتمعنا، فلمَ يتمُّ تجاهلها على مدار عامين متتاليين!؟
بعض المسؤولين في الوزارة صرَّح بأن هذه الأجندة وضِعَت لتتوافق مع المعايير التَّعليمية العالمية، فأين تطبيق الوزارة لتلك المعايير جميعها من حيث جودة التَّعليم ورواتب الكوادر …الخ؟؟ أم أنها تكتفي فقط بما يناسبها وتتجاهل ما عليها من واجباتٍ تجاه الطُّلاب أولاً ومن ثم المدرسين الذين لم تعد رواتبهم تكفي ثمن خبزٍ لعوائلهم!؟
نعود فنجدد الأمنيات بأن يكون الحال أفضل ممّا كان عليه، ونكرِّر كما في كل عامٍ المطالب ذاتها، على أمل يوجد من يُصغي برغبةٍ حقيقيةٍ للتَّغيير الذي سيعود بالنَّفع على البلاد برمّتها.