حكومة “وهميّة”

ريم الحسين:

يستمر الارتفاع غير المفهوم وغير المبرر لسعر صرف الدولار الأمريكي، وسعر الذهب، مترافقاً بانخفاض حاد في قيمة الليرة السورية، وتالياً زيادة أسعار خانقة لم تعهدها البلاد في أكثر سنوات الحرب دموية، فكيف ونحن قاب قوسين أو أدنى من تحرير آخر معاقل الإرهاب في الشمال السوري؟

معادلة لم يتمكن حتى الآن المواطنون من حلّها أو تفكيك هذه المعضلة العجيبة الغريبة في بلد كل يوم يزيد فيه سعر الصرف تدريجياً دون القدرة على وقف هذا التدهور المخيف في قيمة العملة الوطنية، وخصوصاً مع قدوم أيلول، وكما يقال شعبياً جاء (شهر الميمات): المدارس، والمونة، والمازوت، وقد سبقه بفترة بسيطة عيد الأضحى.

البؤس والمعاناة والكم الهائل من الضغط ترافق العائلة السورية كل أيام السنة، لكن يأتي شهر أيلول حاملاً معه مأساة حقيقة في كل عام تجعل من (ورقه الأصفر) كارثة تنذر بالمشاكل والخراب ضمن العائلات، وآلام مضاعفة للأب والأم، وكره حقيقي من الوجود على هذا الكوكب للأطفال، وبالمقابل حكومة نائمة ومسؤولون صمّ بكمٌ عُميٌ، وتبريرات مثيرة للغثيان والقرف.

حكومة أقل ما يقال عنها إنها ممتهنة ومثابرة على تجويع الشعب الذي يبدو كأنه لا حول ولا قوة له، فإن مات جوعاً فذلك أفضل من أن يبدي استياءه، خوفاً من تهم ملفقة واستهداف ممنهج. واللافت للنظر والمثير للسخرية أن سعر الصرف ثابت في المصرف المركزي لا يتغير: 435 ل. س فقط للحيتان وكبار تجار الأزمات واللعب بلقمة المواطن السوري، الذين سيبيعونه بسعر السوق السوداء، لتمويل أعمالهم السوداء في السوق السوداء.

ففي بداية عام 2016 كان سعر صرف الدولار 390 ليرة تقريباً، وفي عام 2017 حدث أكبر تذبذب بأسعار الصرف صعوداً وهبوطاً، ووقتئذٍ كانت كفضيحة طالت المصرف المركزي، ثم استقرّ سعر الصرف عام 2018 بحدود 460 ليرة. وفي آخر العام وحتى عام 2019 عاد سيناريو عام 2017 مجدداً وبقوة أكبر، فقد استمر سعر الصرف بالازدياد فقط ولم يشهد أي انخفاض، حتى وصل حالياً إلى حدود 640 ليرة، مع ازدياد يومي مخجل ومعيب لأي اقتصاد في العالم حتى في عز الأزمات والحروب. وكما جرت العادة لدينا كل شيء ثمنه مرتبط لدينا بالدولار، حتى بائع البقدونس والنعنع وتاجر المفرق يمسك الآلة الحاسبة فوراً ليحسب لك سعر ما تطلب على أساس سعر الصرف الجديد!

خلال ثلاث سنوات تراجع دخل المواطن 64% فقط، وفي عام واحد قفز سعر الصرف بحدود 40 % بمعنى تراجع راتب الموظف ودخل الفرد بهذه النسبة، دون زيادة في الرواتب أو تحسين الوضع المعيشي على الإطلاق!

في هذا البلد إن لم تقتلك رصاصة فسيقتلك الهمّ والغضب والحنق والجوع وعدم قدرتك على تلبية ربع احتياجات عائلتك من السلع البسيطة، أما السلع الكمالية_ لا سمح الله! فالموز مثلاً سلعة كمالية، فليحلم بها أولاد الفقراء على النوافذ وأمام موائد الأغنياء من دم الشعب السوري، لا يكفيهم انتظار الوعود بتحسين الوضع المعيشي حتى يزداد سوءاً، و(الفائز) هو من التحق بركب الشهداء أو المهاجرين!

من غير المعقول ولا الطبيعي ما يحدث! ألا يوجد عاقل واحد يخرج ويشرح للناس ما يحدث خارج شماعة الحرب! ألا يوجد لدينا أي خبراء أو إمكانيات لمعالجة هذا الوضع المخيف! مهما كان المواطن خائفاً ومتخاذلاً ألا تخافون فلتات الجوع والفقر المدقع المعيب الذي تعاني منه العائلات السورية؟ أم أن التفاوت الطبقي المرعب الذي سجل من محدثي النعمة يغطي على جمع الفقراء الغفير؟!

في كل مرة نجد أن هذا الموضوع أصبح مكرراً ومستهلكاً، والحديث عنه يثير الغضب فقط دون جدوى دون حلول، لكن مشاهد الجوع والفقر في شوارع العاصمة، وهنا لا نتحدث عن المدن الأخرى والأرياف النائية، هذا المنظر وحده كفيل بإشعال فتيل غضب لا ينطفئ، وعلى ما يبدو لن ينطفئ، والقادم أعظم، فكل الجرائم والسرقات التي تحدث سببها الفقر بالدرجة الأولى، وعدم وجود حكومة معنية إلا برصد مبالغ طائلة لفعاليات أصبحت لدى المواطن السوري في حكم (التافهة)، لا تفيده وإنما تعطي مظهراً يوحي بتحسن الوضع وهو في الحضيض.

ارتفاع الأسعار ليس وهمياً يا سادة، إنما هذه الحكومة (الوهمية)، التي تمارس دور مصاص الدماء بكل وضوح هي قمة الوهم والوهن.

ويلكم من دموع أهالي الشهداء والجرحى! ويلكم من قهر الشعب الدفين، فربما نصحو يوماً على (وطن) يحفظ كرامتنا ومعدتنا ويعطينا أقل شعور بالإنسانية والانتماء والمواطنة، لكنه حلم بعيد.

الخزي والعار لقاتلي الشعب السوري وعلى رأسهم الفاسدين والنائمين على كروشهم دون رقيب ولا حسيب!

المجد للشّهداء، حماة الديار عليكم سلام.

 

العدد 1104 - 24/4/2024