باسل الخطيب.. وحيوية المشروع الوطني

عباس حيروقة:

بداية لا بدّ من توجيه التحية للمخرج الوطني باسل الخطيب، لقلبه الباذخ والطافح بالأناشيد وبالعصافير، الممعن في وفائه لذاكرته، لطفولته، لأحلامه، فصاغ عالماً أكثرَ جمالاً وسلاماً وأمناً وعدلاً، رافضاً النأي بنفسه أو الحيادية، إذ عاش وعايش المأساة الحقيقية لأهله، فكان وفيّاً لتلك الصرخات وعمل على ترجمتها إلى أيقونة فنية سينمائية سورية مؤثرة وفاعلة، فصدرت للعالم بعض حقائق ما جرى ويجري على ساحتنا الساخنة ومن قلب الحدث، وأننا كسوريين نعمل_ وسننجح_ على هزيمة كل هذا الإرهاب والقبح بالفن، بالسينما، بالرقص، بالغناء، وبالشعر.

نعم، إنه المنتمي للخير وللحب وللجمال.

باسل الخطيب العربي الفلسطيني الأصل والسوري المنشأ والمربى والأناشيد، المخرج الهام الذي أصرّ على البقاء في سورية، وممارسة دوره الوطني الحضاري وحقه في الدفاع عنها عن شعبها، وقبل كل شيء الدفاع عن الحقيقة والانتصار للحق والتاريخ الحضاري وحضارة التاريخ.

نعم، أصرّ على البقاء في حين أن العديد العديد من الفنانين والمخرجين والمعدين السوريين و… الخ من المشتغلين في الحقل الفني والثقافي غادروا سورية، بغض النظر عن أسباب المغادرة أو الهجرة، إذ لسنا هنا في وارد التخوين لأحد منهم، ولكن ما يمكن قوله إن إصرار المخرج باسل الخطيب على البقاء ومواصلة العمل والتعاون مع المؤسسة العامة للسينما بالتحديد جسّد الثقافة التي يجب العمل عليها وعلى تعزيزها، ثقافة الانتماء والوفاء لهذا التراب العظيم ولأغاني الأمهات والجدات وأحلام صباياه.

باسل الخطيب الذي أنتج في سنوات السبع العجاف التي مرت كأسراب جراد على حقولنا العامرة واليانعة حباً واخضرار حياة، أنتج بما يعادل فلماً واحداً في العام منها: ثلاثيته المعروفة (مريم والأم وسوريون)، وفلم (الأب)، ثم فلم (دمشق – حلب).

حقيقة نقولها هنا إن أياً من الأعمال الفنية والإبداعية لم ولن ترقى إلى مستوى الحدث المهيب/ الزلزال، الذي ضرب البنية المجتمعية ككل.

ومن جهة أخرى لم ترقَ إلى مستوى صرخات أم شيعت أولادها الخمسة وبقي ولدها السادس، فقالت بكل ما آتاها الله من ضوء: هو فدا سورية!

كل طاقات الإبداع تعجز عن رسم ذرة غبار أو قطرة عرق على جبين جندي أطلق صرخة الإيمان في وجه أعداء الحياة وأبناء العتمة.

يمكن أن نقول إنه حاول مقاربة المأساة السورية من آلام وعذابات وفقد عظيم.

باسل الخطيب في أعماله السينمائية اشتغل ضمن مشروع وطني استراتيجي ثقافي عملت عليه المؤسسات الثقافية في سورية، لا سيما وزارة الثقافة التي عملت بوتيرة أعلى وفق رؤية أكثر انفتاحاً ووفاء لتضحيات شعبنا الطيب، فأنتجت الأفلام العديدة في محاولة منها لتشكيل خطوة رديفة لانتصارات شعبنا السوري وجيشنا الباسل.

وما فلم (الأب) إلا خطوة منه في مقاربة هذا الحدث، ولكن إلى أي مدى نجح في ذلك؟؟وهل كان مقنعاً في تصوير حقيقة ما جرى في تلك البقعة الجغرافية؟؟

أرى ثمة وهناً ما أصاب بنية العمل، فجاء في بعض جوانبه مباشراً إلى درجة الفجاجة ويمكن لنا أن نتوسع في ذلك في غير موضع.

فلم (الأب) جعلنا نجهش بالبكاء غير مرة، ونردد بداخلنا وبصوت عالٍ: (موطني.. موطني!) ومرات ومرات وقفنا بكل شموسنا وأقمارنا مرددين (حماة الديار عليكم سلام)!

شكرا أيها المخرج الوطني النبيل!

العدد 1104 - 24/4/2024