أريد أن أحيا كما أرغب.. لا كما ترغبون!

إيمان أحمد ونوس:

في عموم المجتمعات البشرية مُحدِّدَات لشخصية الإنسان منذ أن ترى عيناه النور، غير أن هذه المُحدِّدَات تتغيّر من مجتمع إلى آخر وفق ثقافة هذا المجتمع ومعتقداته وقيمه عن الحق والحرية وأهمية استقلالية الفرد في المجتمع.

ولأننا مجتمعات شرقية قائمة على نظام أبوي بامتياز، ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بأعلى وأرقى المستويات، فإننا نجد أن تلك المُحدِّدَات والضوابط التي تؤطّر شخصية الفرد ضمن قيم وقوانين وتقاليد المجتمع تطغى إلى حدٍّ كبير على الشخصية الأساسية للإنسان، وتقمع بطريقها كل محاولة للتغيير أو التميّز أو الانفلات ممّا هو سائد وغير مرغوب، خاصّة بالنسبة لليافعين والشباب من الجنسين. إلاّ أن هناك كمٍّاً ليس بالقليل من الأفراد الذين يسعون جاهدين طوال أعمارهم للوصول إلى الصورة المثالية التي رسمها المجتمع للإنسان الصالح بغضِّ النظر عن الميول والرغبات التي تعتمل في أعماقهم النفسية، وذلك سعياً لكسب الود والاحترام الاجتماعي. وبهذا الصدد تقول الكاتبة التركية إليف شافاق في كتابها (حليب أسود):

(إننا نقمع جوانب كثيرة من شخصيّاتنا، ونكبتها في سعينا للوصول إلى الصورة المثالية التي نحاول العيش وفقها).

إن هذا القمع يدفع البعض في كثير من الأحيان للتنفيس عن تلك الرغبات أو الميول أو الاحتياجات النفسية والعاطفية وسواها، بطرق غير مشروعة أو خفيّة وبعيداً عن الأعين فقط، لأجل استمرارية الرضا والقبول والاحترام الاجتماعي الذي يكون هنا مُزيّفاً بامتياز. وفي المقابل نجد أن غالبية اليافعين والمراهقين كثيراً ما يصطدمون بتلك الصورة التي يفرضها المجتمع باعتبارها لا تتوافق وميولهم ورغباتهم خاصة في مرحلة عمرية تتسم بالاضطراب النفسي والعاطفي بحكم التطور البيولوجي وبدء الخروج من شرنقة الطفولة باتجاه فضاء الشباب الأرحب بنظرهم، وهؤلاء نجدهم دائمي السعي للعيش كما يرغبون ويرون الحياة لا كما يرغب المجتمع.

لا شكّ أن تقييد الشخصية كليّاً بقيم اجتماعية ودينية وسواها من قيم لا يساعد في كثير من الأحيان على نمو صحيح وسويّ من الناحية النفسية أو السلوكية أو… الخ، كما أنه لا يُفسح المجال أمام مواهب وميول وإبداعات ستسمو بالفرد والمجتمع على حدٍّ سواء، وهذا ما يُبقينا مجتمعات متخلّفة وتابعة للآخر في معظم مناحي الحياة ومتطلباتها واتجاهاتها.

فلنترك أبناءنا يعيشون كما يرغبون لا كما نرغب نحن، ولنُحِطْهُمْ بالرعاية والعناية اللازمة للانطلاق نحو مستقبل يليق بإمكاناتهم وقدراتهم ورغباتهم.

العدد 1104 - 24/4/2024