دوافع مكبوتة لصورة مثالية

وعد حسون نصر:

نعم، هو ذا حالنا منذ القِدَم، نرسم صورة لائقة عن أنفسنا أمام الآخر ونكتم ما في داخلنا، نجعل الأنا رقيباً فذّاً كي لا تُغافلنا رذيلة تكون مفتاح شخصيتنا الحقيقية أمام العالم، ومن هنا نحن ليس لدنيا معالم واضحة لشخصيتنا الحقيقية، ودائماً نتعرّف من جديد على بعضنا في المواقف لأنها تُبرز المُخبّأ فينا. أسباب كثيرة جعلتنا بعيدين عن الحقيقة، ولعلّ التربية هي من تفرض علينا الكتمان،!! فنحن تحت إصرار الأهل نريد أن نظهر بأحسن خلق، نريد أن نرسم لنا صورة مثالية في ذهن الغير. كذلك الدين ونواهيه ومحرماته ومحللاته يفرض علينا رسم التقوى على وجوهنا أمام المجتمع. القيم المُكتسَبة التي فرضتها البيئة لتُميّزنا عن غيرنا من الكائنات لنكون بشراً أصحاب سلوك سليم وخلق حميد وغرائز مكبوتة، لكن كل ما نحاول تقديمه من مثالية في شخصيتنا للآخر سوف ينهار بمجرد تعرضنا لموقف يجعلنا نرمي خلفنا كل الأقنعة ونتجرّد من كل الأخلاق والقيم، فنكشف عوراتنا وكل القبح في وجوهنا، لأننا عدنا للبدائية الحقيقية مع إزالة مسحوق التجميل عن وجوهنا مع أول سكبة ماء، لذلك الصورة التي نأخذها بكاميرا أفكارنا عن الآخرين وكذلك صورنا المأخوذة من الآخرين ليست دائماً جميلة وملونة ومشرقة، فنحن نتحكّم بالعدسة حسب حالة الجو وحسب المكان، بينما الصورة الحقيقية هي البيضاء والسوداء التي تكشف معالمنا من دون مساحيق تجميل وألوان فلاش، فجميعنا تربّى بكنف أسرة ترغب أن ترانا بأحسن خلق، تربّينا على مفاهيم العيب وعدم إظهار كل رغباتنا ودوافعنا أمام الغير، تربيّنا على إخفاء الحقيقية وعدم إظهارها كاملة، فدائماً هناك نصفٌ للحقيقة مكتومٌ ومقفلٌ عليه داخل أدمغتنا، لذلك نحن غير صادقين مع أنفسنا لنكون صادقين مع الأهل، الأصدقاء، أرباب العمل، الخ، نحن أمام أهلنا أصحاب الكلمة الدافئة والألفاظ المرموقة والأخلاق الحسنة، ومجرّد خروجنا من المنزل نبدو أشخاصاً آخرين نريد تفريغ كل ما لدينا بأقصى وقت قبل العودة للمنزل، وهذا الحال ذاته مع أصدقائنا وأرباب عملنا، وبالتالي نحن جميعاً تحت سيطرة دوافع لا شعورية مكبوتة منذ الصغر، نظهرها بزلات اللسان وفلتات القلم وأحلامنا، وأنا شخصياً أرى أنه لا توجد صورة مثالية حقيقية لنا ما دمنا نضع قناعاً قبل الخروج من المنزل، وبمجرد أن يسقط هذا القناع يتّضح قبحنا على الملأ.

العدد 1104 - 24/4/2024