بريطانيا كانت وماتزال فتيل التفجير!

 د. صياح عزام: 

لعبت بريطانيا في الماضي دوراً استعمارياً قذراً على مستوى العالم، إذ كانت لا تغيب الشمس عن مستعمراتها في شتى أنحاء الأرض، ولكن فيما بعد لم يعد لها دور رئيسي تلعبه على المستوى الدولي، أو على مستوى أزمات المنطقة، بعد أن انتزعت الولايات المتحدة الأمريكية منها هذا الدور، وبقيت الحكومات البريطانية المتعاقبة بمثابة الذيل للسياسة الأمريكية. ولكن مع هذا تصرّ بريطانيا على ممارسة أدوار خطيرة وشريرة في منطقتنا العربية وغيرها من المناطق، من شأنها تقويض الأمن والاستقرار وتدمير عناصر قوة الدول الصغيرة بشكل خاص، وبالتالي أصبحت وستظل بمثابة فتيل التفجير للأزمات هنا وهناك.

في الثالث عشر من شهر تموز 2019، افتعلت بريطانيا حكاية أو (أكذوبة) التعرض من قبل إيران لإحدى سفنها التجارية في خليج هرمز، الأمر الذي أدى إلى زيادة حدة التوتر والتصعيد في المنطقة المشتعلة أصلاً، بسبب التدخلات الأمريكية والتركية في سورية وضد إيران وسياسة فرض العقوبات من الرئيس الأمريكي ترامب على العديد من الدول وحتى المعروفة تاريخياً بسيرها في ركاب السياسة الأمريكية.

وكانت ردة الفعل الأمريكية على التعرض المزعوم للسفينة البريطانية قوية وفورية، بتشكيل قوة بحرية أمريكية وبريطانية مع بعض الدول الحليفة.

ومن الملاحظ أن بريطانيا تدفع الولايات المتحدة سراً وعلناً لتصعيد عدائها لإيران وشن حرب عليها، وتستظل بالأساطيل الأمريكية لكي تستعيد حضورها وربما شرعنته تحت شعار حماية الملاحة البحرية.

ومما يجدر ذكره أن بريطانيا هي التي أوعزت إلى سلطات جبل طارق بحجز الناقلة الإيرانية بالتنسيق مع واشنطن، علماً بأن إيران لا تخضع للعقوبات الأوربية.

لا شك بأن هذا التصرف البريطاني يذكّر بما فعله طوني بلير في الحرب على العراق واحتلاله واجتياح بغداد عام 2003، بناء على مجموعة أكاذيب فبركها طوني بلير (رئيس الوزراء في بريطانيا آنذاك) حول مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل ووجود علاقات للنظام العراقي مع تنظيم القاعدة، وهذا يشير إلى أنه بالأمس تم تدمير العراق واليوم يجري التخطيط الأمريكي والبريطاني لتدمير إيران.

ولم تنجُ إيران من مؤامرات وكمائن بريطانيا منذ عام 2011، فقد كانت على رأس قائمة التصعيد والدعم للإرهاب والعمل على إطالة أمد الحرب، فبرسطانيا تسعى بالتنسيق مع واشنطن لتقسيم سورية، وتدعم الحركات الانفصالية المشبوهة في الشمال السوري، وهي أيضاً التي شكلت عصابة (الخوذ البيضاء) وموّلتها واحتضنتها.

على أي حال هذا الدور البريطاني القذر ليس مستغرباً ولا جديداً، فهي التي عبّدت الطريق لوعد بلفورالمشؤوم، وساعدت على إقامة كيان الاحتلال الإسرائيلي، حتى أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي رفضت الاعتذار عن الوعد المذكور، بل قامت برعاية الاحتفال بمرور مئة عام على صدوره بحضور مسؤولين صهاينة.

ثم إن بريطانيا هي التي تآمرت على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1956، عندما شنت مع فرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر، في أعقاب تأميم قناة السويس، وهي التي أوجدت الكيانات الحالية في دول الخليج حتى أنها زرعت الخلافات الحدودية بينها لإبقاء تبعيتها للتاج البريطاني البغيض والاستعماري.

معروف للجميع أن بريطانيا قد تراجع دورها بشكل كبير أمام تصدر الولايات المتحدة لمسألة الهيمنة على الشعوب، وأصبحت في وضع لا تستطيع معه وحدها حسم أي مسألة، لكنها عوضت عن ذلك ببقائها ذيلاً للولايات المتحدة، ومحركاً للأحداث، ورأس حربة وفتيل تفجير في المنطقة العربية وغيرها، والدفع بقوة باتجاه حافة الهاوية من خلال العمل من تحت الطاولة كما يقال. ولا نبالغ إذا وصفناها- كما وصفها من قبلنا الكثيرون- بأنها أساس بلاء العالم القديم والجديد.

ولكن من الملاحظ الآن في سياق التصعيد ضد إيران أن بريطانيا إذ تنجح في إمساك الثور الأمريكي الهائج من قرنيه، إلا أنها تفشل حتى الآن في إجباره على الشرب، ولكنها رغم ذلك تستمر في اختراع الأكاذيب.

باختصار يمكن القول إن بريطانيا كدولة عظمى تحتضر، ولكنها تبقى المسؤولة عن تفتيت وتشظي عشرات الدول في العالم، وهي تواجه خطر تشظيها وتشققها، وستحصد ثمار ما زرعته من فتن، ودفعت إليه من حروب، لاسيما أن نتائج البريكست من المرجح أن تأتي بعكس ما تشتهي سفن الإمبراطورية العجوز.

 

العدد 1104 - 24/4/2024