وداعاً رفيقتنا الغالية وزيرة فهمي اسماعيل

عصيّة على الفهم وموجعة حكاية الوداع الأخير حتى وإن كان متوقعاً. غادرتنا بعد أن أضاءت جوانب مظلمة لمن حولها، ناضلت بصمت ونكران ذات في رحاب رابطة النساء السوريات والحزب الشيوعي السوري الموحد، وفي محيطها الإنساني والاجتماعي بين الأقارب الأصدقاء. وكانت شاهدة على أكثر من لحظة تاريخية في ذاكرة الشيوعيين السوريين من خلال زوجها المفكر والمناضل الوطني والطبقي نبيه جلاحج الذي سجل تاريخاً ناصعاً في مختلف مراحل النضال السري والعلني خلال نصف قرن ونيف، وكانت خير رفيقة ومساعدة له في نضاله.

غادرتنا بكل ما فيها من مشاعر إنسانية وحب للبقاء، وقد أوجعتها الضربات المدمرة والمتواصلة التي لحقت بالبلاد خلال الثمانية أعوام العجاف الأخيرة.

كانت النموذج الحي للمرأة، تتسم ببساطة متناهية وبحس وطني وطبقي تدرك أهمية المساواة بين الناس، وتكره الظلم والاضطهاد متأثرة بما يحيط بها من آراء في عائلتها وعائلة زوجها.

كانت ومازالت تربطنا بعائلة الرفيق نبيه وعائلة زوجته علاقات تاريخية حميمة منذ نصف قرن وأكثر، ورغم ما تعرضت له عائلاتنا من خسائر بشرية لا تعوض.

كان ومازال نبيه الابن الحنون المحب والمخلص، ليس لأفراد عائلته فقط بل ولرفاقه وأصدقائه، فهو يحمل من نبل الإخلاق والمحبة للجميع ما يفوق الوصف، الصحة الجيدة والعمر الطويل له، مع كل المحبة والتقدير.

ذهبت ورفيقاتي أمس لتعزيته في منزله، كان متأثراً جداً لرحيل رفيقته وزوجته، وهو يتحدث عنها، عن سنوات العمل السري وما يتطلبه من ظروف الانفراد والوحشة بعيداً عن كل ما يحيط بها، بينما كان هو ينفذ المهام الإنسانية النبيلة التي أوكلت إليه دفاعاً عن وطنه وشعبه في ظروف أمنية صعبة ومعقدة مرت بها البلاد تاريخياً.

لم ألحظ الرفيق نبيه يبكي من قبل حتى في الحالات الصعبة، وفوجئت ورفيقاتي والدمع ينهمر من عينيه، هذا الإنسان المناضل لم يضعف أبداً في حياته أمام ضربات الجلادين حتى الموت في سجون تدمر واللاذقية والمزة والمعتقلات الأخرى.

أبدى مقاومة شديدة لا يتصورها عقل إنسان، تعرض فيها للأذية الجسدية، فرضتها ظروف النضال وإخلاصه للقضية التي نذر نفسه من أجلها. صمد جسدياً ونفسياً لأنه كان يعتبر عدم الصمود بعيداً عن القيم والمبادئ التي يؤمن بها، وكافح من أجلها، فهو يختزن تجربة نضالية غنية كرسها لخدمة شعبه ووطنه من أجل عالم أكثر نقاء وجمالاً وإنسانية وعدلاً.

حمل لنا مفكرة قديمة متوسطة الحجم جمع فيها بعض المواضيع المتفرقة التي أعجبته ووضع لها مقدمة إهداء لزوجته وزيرة قال فيها:

(وزيرة..

عشر سنوات انقضت منذ أصبحت عضواً في الحزب الذي قال عنه لينين (إنه عقل وشرف وضمير عصرنا)، وبهذه المناسبة أود يا رفيقة عمري أن أهديك شيئاً ما، شيئاً محبباً إلى قلبي، ولا أستطيع أن أهديك شيئاً أجمل وأغلى وأكثر خلوداً من الكلمة الطيبة، الكلمة الحلوة، الكلمة الذكية، والشجاعة.

إليك يا حبيبتي أهدي كلمات من كلمات كانت ومازالت تصنعني.

نبيه

(تشرين الثاني 1961)

العدد 1102 - 03/4/2024