الصين وقضايا الشرق الاوسط

صفوان داؤد:

تبدو الأزمة العميقة في سورية، باستمرارها وتعقيداتها، انعكاساً شديد الوضوح للاستقطابات الدولية الجديدة التي أوجدها صعود روسيا بالدرجة الأولى، وكذلك الصين، ذلك أن الصدع الاستراتيجي الذي وضِعت سورية فيه يحتّم على القوى الكبرى أن تتقاطع عليه. وتأخذ الصين في اعتباراتها في الشرق الأوسط تأمين إمدادات الطاقة، والاستثمارات التجارية لا سيّما مشاريع البنى التحتية، لكنها في الوقت نفسه تتجنب بشكل حاسم الدخول بأي شكل من اشكال الأعمال العسكرية المباشرة. مع ذلك يخشى الصينيون من احتمال قيام ما يسمى حلف (الناتو العربي) بدعم من الغرب، وما يمكن أن يؤدي إليه هذا من احتمال نشوء احتواء عسكري طويل الامد للممرات البحرية الممتدة في خليج عدن و(قناة السويس) والبحر الأحمر، إلى المحيط الهندي، وهو أحد اهم طرق النقل البحرية في الرؤية الاستراتيجية الصينية المُعدة في (مبادرة الحزام والطريق).

وما يزيد الموضوع تعقيداً هو المسألة التي تقلق الصين: مسألة العقوبات والرسوم الجمركية من قبل الولايات المتحدة، وإن كان ما يجري حالياً لا يعتبر حرباً اقتصادية، وإنما خلاف اقتصادي حاد افتعلته واشنطن بفرضها رسوماً بقيمة 25% على حزمة من الواردات الصينية. وكان أن ردت بكين بالأسلوب نفسه. وحقيقة هناك قلقٌ عميق في اوساط القيادة الصينية من أن تلحِق الحرب التجارية أضراراً غير مسبوقة بالاقتصاد العالمي، ما سيؤدي بالنتيجة إلى تضرر النمو والاستقرار في الصين. ويلاحظ مع ترافق العقوبات الاميركية أن ثمة هناك محاولات تقوم بها قوى آسيوية عبر نظام (التعاون في منطقة المحيط الهادئ – الهندي) بدعم من واشنطن، لاحتواء صعود الصين السريع، التي هي الأخرى تعمل على (مبادرة الحزام والطريق) المتضمنة على إنشاء مشاريع وبنية تحتية ولوجستية هائلة إلى أوربا عبر المحيط الهندي وآسيا الوسطى، إلا أن هذا لم يمنع من استثمار عشرات مليارات الدولارات في مشاريع تنموية وعمليات استحواذ وغيرها من بلدان الشرق الأوسط كذللك. غير أنه إذا ما استمرت التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، فإنها ستسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وسيقع الضرر الأكبر على منطقة الشرق الأوسط، نتيجة التقلص الحاد بالسيولة والرساميل، بسبب ارتباط النمو في هذه المنطقة بأسعار النفط التي من المرجح أن تنخفض بشكل حاد، بفعل نقص الطلب.

تتبع الصين سياسة متوازنة عموماً في صراعات الشرق الأوسط، كما هو الحال في موقف الحياد من التوترات الإيرانية – السعودية، أو الخلافات بين هذه الأخيرة وقطر. وتبقى القضية الفلسطينية من أكثر القضايا ثباتاً من وجهة نظر الخارجية الصينية، فلطالما أيدت بكين حقوق الشعب الفلسطيني ووقفت مع القوانين الدولية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني. وبالنسبة للمسألة السورية ورغم أنها أخذت موقفاً أكثر حزماً من خلال عدد الفيتوهات غبر المسبوق التي رفعتها حول قرارات تخص سورية، تنظر بكين الى هذه المسألة بمنظور مختلف عن حليفتها روسيا، من حيث المصالح الجيواستراتيجية لكل منهما، فهي رفضت التدخل العسكري المباشر، وهي غير مقتنعة بتدخلات الدول الإقليمية في الحرب السورية، وهي أكثر حرصاً من غيرها على اتباع حل سياسي للمسألة السورية. لكن هذا لم يلغِ تعاون بكين مع موسكو في إنشاء قناة لتبادل المعلومات الاستخباراتية، هدفها الرئيسي مراقبة ومتابعة نشاط الجهاديين القادمين من تركستان الشرقية.

حتى الآن وفي الوقت الذي كان فيه إجماعٌ دولي على حل الأزمة السورية، غاب الإجماع حول كيفية هذا الحل. واستمر الانقسام الدولي على استراتيجية إدارة الصراع في المسألة السورية ككل، وليس فقط فيما يتعلق بالحل السياسي، وذلك بين محور غربي-عربي بقيادة أمريكية من جهة، ومحور روسي- إيراني ومعهما الصين، إنما على آليات ونهج مختلفين كلياً، إذ لا يوجد في هذا المحور مركز أو دولة محددة لتلعب دور (المايسترو الأمريكي) كما في المحور الأول، وهي غير منضوية في حلف أو منظمة دولية أمنية مثل الناتو، ولا توجد استراتيجية علنية بين روسيا والصين وإيران متفق عليها في إدارة المسألة السورية، وإنما نوع من ضبط المواقف وتوحيدها بالقدر الممكن. على الرغم من ذلك يتمتع المحور الثاني عبر روسيا والصين بحق الفيتو في أهم منظمة دولية؛ مجلس الأمن، وحق الفيتو يشكل قوة ذاتية بحد ذاته. إن حضور روسيا بقواها العسكرية والصين بثقلها الاقتصادي في مواجهة الولايات المتحدة، قد حددا بشكل حاسم تطور المسألة السورية، بحيث منع بشكل كبير المحور الغربي-العربي في أن يتمادى في إدارة الصراع على سورية منفرداً.

العدد 1104 - 24/4/2024