الحياة نزهة الجاهل.. ومعركة العالم

حسين خليفة: 

من الأسئلة الوجودية الكثيرة والمُتشعبة والمتداخلة هذا السؤال الشاسع: هل الحياة نزهة تتخلّلها معارك صغيرة أم معركة تتخللها نزهات قصيرة؟

الحياة لا تتسع لتعريف أو لاختصار، فسنوات عمر الإنسان التي تمضي كلمح البصر قد تكون حافلة بالعمل والإنجاز والبناء والإنتاج، فيغدو العمر القصير طويلاً بما راكمه الإنسان من عطاء وتجارب ومحبين ونتاجات مادية أو فكرية تخلد ذكره بعد رحيله إلى المجهول، وربما تكون هذه السنين رتيبة مملة تمضي بانتظام بارد لا جديد فيها ولا إضافات تذكر من قبل الإنسان تجعله يذكر بها، وكأنه موظف حكومي يحفظ دوره المطلوب منه جيداً بما لا يدع أي مجال للاجتهاد أو الإبداع.

هذان النمطان اللذين يكادان يختصران حياة الإنسان في عمومياتها طبعاً يتداخلان مع السؤال المطروح هنا عن الحياة.

بالنسبة للنوع الأول الديناميكي المتوقد الباحث عن تغيير في كل حالة أو ظاهرة تصادفه بما يجعلها أجمل وأكثر جدوى، الحياة هي سلسلة معارك، لا معركة واحدة، طرفها الآخر هي القوى المناهضة للتغيير والتطور، القوى التي تقدس الماضي والواقع، فلا تقبل له تبديلاً، ألم يخاطب الناس أنبياءهم: هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا ونحن له عابدون؟؟

ألم يصفق الجمهور لقرار الكنيسة بإعدام غاليلو لأنه قال بدوران الأرض؟؟

هؤلاء قلائل، حالات فردية تتمرد على السائد طارحة بدائل أفضل لحياة الناس وتطورهم ورفاهيتهم، وغالباً ما يتعرضون لتنكيل ومضايقات من حراس الماضي، لكنهم يخوضون معركة الحياة كما ينبغي لكل المؤمنين بالتحرر والانعتاق والإبداع، وهذه المعركة لا تتخللها نزهات بل هي بحد ذاتها نزهة فيها المتعة والسعادة والعطاء ممتزجة ومتوحدة.

أما النوع الآخر من البشر، وهم الأغلبية الساحقة، فتمضي حياتهم بنظام ورتابة وتكرار وهم يسعون في مناكبها، بحثاً عن رزقهم ورزق عائلاتهم، وتنفيذاً لوصايا الآخرين من أولياء الأمر، أي السلطات الدينية والدنيوية والعائلية.

هؤلاء يمرون عابرين لهذه الحياة دون أن يتركوا أثراً اللهم سوى ما يتركونه لدى الحلقة الضيقة المحيطة بهم من عائلة وأقارب وزملاء عمل وأصدقاء، والحياة لدى هذا الصنف لا تعدو أكثر من نزهة قد تتخللها معارك صغيرة وتافهة أحياناً، وقد يمضي العمر بلا أي معركة، خطاً مستقيماً بلا تعرجات ولا التواءات، فيكون مرورهم في ساحات الحياة خفيفاً باهتاً ولا يترك أثراً.

وقد قال المتنبي مختصراً بعبقرية هذه الفلسفة:

وإذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسامُ

المسألة هي في التكوين النفسي للفرد والنشأة والتربية والإمكانات والمواهب والثقافة وغيرها من العوامل التي تحدد انتماءه إلى هذه الفرقة أو تلك، ومعروف أن الاتكالية والبلادة واللاموقف هي سمة غالبة لدى الشعوب المتخلفة، وهي في الوقت ذاته أحد أهم أسباب تخلفها، فيما يمتاز أبناء الشعوب المتحضرة بالحيوية والديناميكية والإحساس بالمسؤولية والإبداع والحرية، وهي سمات وأسباب تقدمها وتحضرها.

العدد 1104 - 24/4/2024