من القلب إلى القلب | أول سقوط في الحرب كان للمثقف السوري!!

عماد نداف: 

أنا أخجل أن أكتب هذا العنوان، لأن معناه يتضمن حكماً، إسدال ستارة سميكة على أشياء أخرى تجري في المجتمع، وهذا لا أفعله. وإذا كانت المسألة على هذا النحو، فأكثرية الكتّاب في سورية، ويفترض أنهم من المثقفين، مقصرون ومسؤولون وقد وقعوا في مطبّات كثيرة، وأهم هذه المطبّات تلك التي تشبه المطبّات التي وقع بها رجال الدين (المشايخ) الذين اعتادوا الموالد والمآدب وحضور المآتم والمديح والتبريك مقابل أن يقوم أحد ما بالمسح على رؤوسهم!

نعم، هذه ليست مبالغة، كنت أتمنى أن لا يحصل ذلك، فعلى مدار الخمسين سنة من الوعي الذي عشته، كنت أعيش عملية انهيار تجري على خطين:

الأول هو خط التربية والتعليم.

والثاني على خط الثقافة والفكر.

ولكي لا أضيع في بحث طويل، في متاهات هذين الخطين، سأحصر جهدي وأركز على نقطة محددة، مضمونها هو الإجابة عن سؤال:

أليس من المفترض أن تنشأ علاقات الانتماء على مبدأ الأخذ والعطاء؟

فإذا اتفقنا على ذلك، ينبغي الحديث صراحة عن أشياء مطلوبة من المؤسسات، وأشياء مطلوبة من المثقفين والكتّاب. والمطلوب من الكتّاب أولاً أن يكونوا عند مستوى طروحاتهم الفكرية والثقافية والتنويرية، وتشمل حكماً إعادة قراءة التجربة السابقة في الحياة الثقافية السورية، للوقوف على سلبياتها وإيجابياتها، فالمواطن السوري يسأل الآن: لماذا حصل ما حصل؟ ولماذا فعل المثقف ما فعله خلال الحرب؟!

أي أن المواطن السوري يُحمّل المثقف السوري مسؤوليات كبيرة تجاه الأحداث، فأول سقوط حدث في هذه الحرب، بالنسبة لهذا المواطن، هو سقوط المثقف السوري، وآخر ما تشهده الحرب، بالنسبة لمن تسأله، هو جنازة مجتمعية للثقافة والأدب والفن يحاول المخلصون دبّ الحياة فيها.

هل يمكن أن تدبّ الحياة في جسد ميّت؟!

هذه عملية مستحيلة، اللهم إلاّ إذا كان ثمة روح في الجسد ينبغي النفخ فيها، وكثيرون من الأصدقاء يرون أن الروح موجودة، وأنا منهم، وأن بالإمكان استعادة دور المثقف والكاتب والفنان على أرضية التذكير بالهوية المجتمعية الحقيقية للسوري القائمة على الانتماء إلى وطن حضاري متنوع أصيل، وصاحب قضية مصيرية.

هل هذا الكلام مجرد لغو؟!

لا، أبداً، لكنه مشروط بإعادة إنتاج ظروف اجتماعية يشتغل عليها المثقف بحوار مفتوح جريء، ينتقد الذات أولاً، والآخرين تالياً، وتقوم الدولة بتحصينه باعتبار أن المجتمع السوري كله يضحّي بسخاء، ويدافع الآن بوعي وبحماسة عن فكرة الدولة/ الوطن. التي وضعتها الحرب في مهب الريح.

ولأن الكاتب هو جزء من العملية الثقافية بمجموعها، ولأن اتحاد الكتاب العرب مثار نقاش وطني وعربي في هذه الفترة، يفترض أن يتقدم ُكتّابُه هذه العملية بجرأة، لأنه المؤسسة المستقلة الجريئة النشطة التي تمكنت في الآونة الأخيرة من إصدار قرارات استثنائية رغم الخلاف حولها.

خلال أقل من سنة، يتهيأ اتحادُ الكتاب العرب، الذي أنا جزء منه، لمؤتمر عام، وكل الكتّاب كانوا يتمنون لو انعقد قبلاً، ولو بطريقة استثنائية، ولكي ينجح يفترض أن يُعّد جيداً له ولمضمونه، وخاصة أن عام 2019 كان عام العيد الذهبي لاتحاد الكتاب العرب في سورية، بعد أن مر نصف قرن على تأسيسه.

والإعداد الجيد الذي أدعو إليه ضروري ومستعجل، ويستلزم تشاركية عالية، ولا تتحقق هذه التشاركية في هذه المرحلة إلاّ بتشكيل لجان عمل تُعد وتناقش الجهات العليا في الدولة، لتصل إلى توصياتها.

لاحظوا هذه الفكرة، هي مضمون المسؤولية التي تجعل الكاتب فاعلاً وقوياً في الوقت نفسه، على الكاتب أن يبحث (هو) عن فهمه لطبيعة المرحلة التي تمر بها الثقافة السورية، وأن يحدد (هو) ملامح هذه المرحلة واحتياجاتها، ومن ثم عليه أن يقوم بتأصيل النتائج وحمايتها بحوار آخر مع الجهات المعنية في الدولة، التي أعتقد أن من صالحها هذا النهوض الثقافي المطلوب على مستوى المرحلة التالية للحرب.

ومن أجل ذلك، أقترح كخطوة أولى، فتح صفحات للحوار حول الأفكار المطروحة في الدوريات المحلية في الاتحاد، وفي الصحف، وإقامة صفحات ومواقع لهذه الغاية، ودون حوار من هذا النوع، يبقى المواطن على حق في فكرة سقوط المثقف، ويا ويلتاه عندما نسأل: من سيكون البديل عن العقل الثقافي؟!

العدد 1102 - 03/4/2024