غربال القبول الجامعي
ولاء العنيد:
لحظات سريعة ومخيفة طرقت باب كل طالب شهادة ثانوية، لحظات مرت توترت فيها الأعصاب وامتزجت مشاعر الرهبة مع مشاعر الانتظار، وظهرت النتيجة في النهاية كل حسب اجتهاده. وبين ناجح وراسب ارتفعت أصوات الفرح في منزل، بينما خبت معالم الحياة من آخر. وتبدأ من جديد معركة مفصلية في اختيار أفضل فرع جامعي يحبه الطالب أو يتوافق مع مستوى درجاته. وهنا تكمن المشكلة في اختيار الأنسب، وفي الوقت نفسه التقدم لما يسمح له مجموعه حسب المفاضلة التي ستُنشر قريباً. وريثما تظهر مفاضلة عام 2019 يجري البحث ودراسة الخيارات المتاحة عن طريق مفاضلة العام السابق. عوامل كثيرة تؤثر في هذا القرار، فهناك من يختار على أساس المجال الذي يضمن له مكانه اجتماعية مرموقة في المستقبل، ومنهم من يبحث عن الفرع الذي يتيح له أفضل فرصة عمل بأفضل دخل، ومنهم من يبحث عن أطول سنوات دراسية ليؤجل من خلالها التحاقه بالخدمة الإلزامية. وبين نصيحة الأهل وتدخّل الأصدقاء والسؤال عن الفرع الأفضل، تدور الأيام في نقاش يومي، ريثما تصدر المفاضلة، تبدأ بعدها حرب الاختيار بين رغبات الطالب ورؤية ذويه وعلاماته التي غالباً لا تسعفه في دخول المجال الذي يتمناه. ومنهم من يكون الاختيار بالنسبة له عشوائياً لعلمه أن درجاته لا تتيح له أكثر من مقعد في معهد لا يحب مجاله. ولكن المهم بالنسبة لكل منهم جميعاً أن يضع قدمه داخل الحرم الجامعي والبدء في مسيرة التعليم الأكاديمي الذي يضمن له شهادة تكون تذكرة عبور للعمل وحياة المستقبل.
ومع صدور المفاضلة الأولى والاختيار والتسجيل يبقى الانتظار من جديد سيد الموقف، بينما تصدر نتائج القبول الجامعي وتحمل معها خيبات أمل لآلاف الطلاب، ليقبل منهم بالرغبة الثانية أو الثالثة مرغماً لا يملك بديلاً سوى محاولة إعادة دراسة البكالوريا من جديد وتأمل الأفضل في العام القادم يخيب أمل معظم طلاب الشهادة الثانوية من نظام القبول الجامعي، فهو مازال عاجزاً عن الاختيار إلا عن طريق العلامة الأعلى دون الأخذ بعين الاعتبار أي عوامل إضافية. فهذا النظام لم يعد يلبي مصالح الطلاب ولا يحقق رغباتهم، وبات يفرز طلاباً جامعيين حانقين وغير متقبلين للمجال الذي يدرسونه، ما يسبب حالة تأخر دراسي لا يسفر عنها سوى خريجين لا يعرفون عن اختصاصهم الجامعي سوى ما كان ضمن المقررات الجامعية، ولذلك لن يستفيد من مجاله ولن يبدع فيه ولن يفيد بلاده. وبهذا تكون المخرجات الجامعية لا تتناسب مع متطلبات البلاد، ولا مع ما يتيح للطلاب باباً للإبداع في المجال الذي يتمنون دراسته. ألا يجب أن نبحث عن نظام قبول جديد يضمن الحصول على شباب متعلم ومبدع بمجاله، لأنه درسه لحبّه له لا لمجرد أنه الاختصاص الذي قبل به في التعليم العالي، والذي يحقق مع الوقت مصلحة البلاد في تطوير نظام القبول الجامعي يكون مساعداً للطلاب، ويحمل معه الأمل والفرح في دخول اختصاص يلبي طموحاتهم، لا أن يقدم لهم سوى خيبات أمل متتالية تهدم أحلامهم وتوقف أي سبيل للتفكير والإبداع لديهم.