ثنائيات الحياة
محمود هلال:
أسود/ أبيض، حزن/ فرح، شرق/ غرب، صيف/ شتاء، برد/ حرّ، راحة/ شقاء، قحط/ عطاء، خير/ شر، كرم/ بخل، تعاسة/ سعادة، حياة/ موت، أمل/ يأس. فلنبقَ محكومين بالأمل، على حد قول الكاتب المسرحي سعد الله ونوس.
يعيش الإنسان متوالية من الثنائيات منذ صرخته الأولى في هذه الدنيا، حتى صرخته الأخيرة، أي عندما يعض على لسانه ويموت. وتترافق ثنائية الحياة والموت هذه بالعديد من الثنائيات التي إما أن تكون على نحو مرادفات متوافقة، أو تأخذ منحى متضادات متعاكسة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تبدأ حياة الإنسان في المرحلة الأولى بثنائية الرعاية والحضانة من الأهل، وغالباً ما يتخللها ثنائيات متناقضة من اهتمام ودلال للأطفال الصغار، وإهمال ونسيان للكبار، وحب زائد للصبيان، وتشديد وتضييق على الفتيات في بعض المجتمعات.
وكثيراً ما تخلق هذه المسائل الغيرة والحسد بين الأطفال أنفسهم دون دراية ولا قصد من الأهل، ويصنعون منهم ثنائية (الإخوة الأعداء).
يكبر الأولاد وتكبر همومهم معهم، ويدخلون في ثنائية العلم والعمل، وهنا يدخل في هذا الإطار ثنائية المرأة والرجل في كلا الميدانين. وكم من الظلم والإجحاف لحق بالمرأة بهذا الخصوص، إذ كان المجتمع ينظر إليها نظرة دونية (ضلع قاصر) سواء في ميدان العمل أو في ميدان العمل، وكأنها خلقت لتكون زوجة وربة منزل فقط، وتقتصر وظيفتها على إنجاب الأطفال وتلبية رغبات الزوج. لقد تغيرت الصورة الآن رغم بعض العوائق والتحديات التي ماتزال تعترض حياة المرأة في المجتمع، إلا أن منظومة القيم التي أرستها معطيات العصر أثبتت أن المرأة عنصر فاعل في المجتمع وفي جميع نواحي الحياة. نعم، هي قادرة أن تتعلم وتعمل وتبني، وأن تكون رائدة في كل المجالات.
كان يقال: (هم البنات إلى الممات)، اليوم أصبح الجنسان همّاً، سواء أكانوا إناثاً أم ذكوراً، حتى لو تزوجوا يبقى رب الأسرة (يهكل) همّهم ومسؤولاً عنهم، خاصة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وتدني دخل الفرد وانعدام فرص العمل. وفي هذا المضمار طبعاً يمكن أن يواجه الإنسان العديد من الثنائيات الإشكالية والمعقدة، كالعمالة والبطالة، التي تسير وفق خطوط بيانية متعاكسة: ازدياد أعداد العاطلين عن العمل وتناقص فرص العمل، وذلك في القطاعين العام والخاص، وتتعقد هذه الثنائية الاقتصادية أكثر فأكثر، فهناك جهة وفق توجهاتها، تحاول التخلص من القطاع العام وعماله، والتخلي عن حقوقهم ومكتسباتهم، وذلك من خلال بيعه أو تأجيره، فكيف يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة فيه؟ وهي تضع كل التسهيلات أمام القطاع الخاص الذي يضع شروطه القاسية والمجحفة على طالب العمل، فيوقّعه على صك استقالته قبل شروعه في العمل، ليرميه ساعة يشاء على قارعة الطريق! ولا شك أن هذا الوضع سيعمق الهوة بين ثنائية الغنى والفقر، التي تولد ظاهرات جديدة تفتك بالمجتمع مثل التسول والسرقة والجريمة والنصف والاحتيال وغيرها، فضلاً عن الاختلالات المجتمعية متمثلة بثنائية الزواج والطلاق، إذ تنخفض نسب الزواج وترتفع نسب الطلاق، إضافة إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية التي تصيب المجتمع.
تبقى ثنائية الحرب والسلم، وهي الثنائية الأصعب التي يواجهها السوريون هذه الأيام بعد 9 سنوات من الحرب على سورية، وقد ولدت هذه الحرب ثنائيات جديدة من الحصار والانتقام، التجويع والتركيع، حصار جائر وعقوبات اقتصادية ظالمة هدفها إسقاط الدولة السورية اقتصادياً، وهي المرحلة الثانية من الحرب كما يسميها البعض.
لقد طال الحصار غالبية قطاعات الحياة والاقتصاد في سورية، ويبقى المواطن السوري هو المتضرر الأكبر من هذا الحصار، وينظر بفارغ الصبر إلى إيجاد الحلول للأزمة السورية وإنهاء الحرب، وحلول ثنائية السلم والأمان.
بقي أن نقول أن هذا غيض من فيض من الثنائيات التي لا يمكن حصرها في هذه الزاوية، فهل نفكر في إيجاد الحلول المناسبة لها؟ أم ننتظر ولادة ثنائيات جديدة؟