السودان.. التغيير قادم

ذوقان شرف:

نجحت المبادرة الإثيوبية الإفريقية، فجر 5/7/2019، في التوصل إلى اتفاق في السودان، بين قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري الانتقالي، بعد ثلاثة أشهر مضت على سقوط عمر حسن البشير وسجنه، بتأثير ثورة شعبية سلمية تولّى إطلاقَها وتنظيمها والتفاوضَ باسمها تحالفُ (قوى إعلان الحرية والتغيير)، وهي ترفع شعار: (حرية، سلام، عدالة… مدنية خيار الشعب)، غير أن المجلس العسكري الانتقالي، الذي أزاح البشير ظل يماطل في تسليم السلطة بعد أن حكم البشير ثلاثين عاماً، تفاقمت خلالها الأزمات على الشعب السوداني، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتفاقم أيضاً نهب ثروات السودان، واستشرى الفساد، وعمّ الفقر والبطالة والتجهيل.

فماذا تضمّن هذا الاتفاق؟

1- تضمن الاتفاق أن تكون الفترة الانتقالية كاملة مدتها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، على النحو التالي:

أ- الستة أشهر الأولى لعملية السلام.

ب- الواحد وعشرون شهراً الأولى- تتضمن الستة أشهر الأولى- تكون رئاستها للعسكريين.

ج- آخر ثمانية عشر شهراً تكون رئاستها للمدنيين.

د- مجلس وزراء من كفاءات وطنية تقوم بتشكيله قوى الحرية والتغيير.

هـ- المجلس السيادي يتكون من خمسة عسكريين وخمسة مدنيين، إضافة إلى عضو مدني يتوافق عليه الطرفان (المجموع أحد عشر).

ي- تأجيل المجلس التشريعي ليتشكل بعد تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء.

2- شكلت لجنة فنية مشتركة من قانونيين بمشاركة إفريقية تنهي أعمالها خلال 48 ساعة ابتداءً من صباح السبت، كي يتم توقيع الاتفاق السياسي النهائي.

3- لجنة تحقيق وطنية مستقلة للأحداث منذ 11 أبريل 2019م.

 

نقلة نوعية

لم يكن ممكناً التوصل إلى هذا الاتفاق لولا تنازلات قدّمها الطرفان، بعد أن عرف كلٌّ منهما نقاط القوة والضعف لدى الطرف الآخر.

ورغم أن هذا الاتفاق يشكّل نقلة نوعية، وإنجازاً لقوى الحرية والتغيير، إلا أنه يظل أقلّ مما أراده السودانيون، وأقلّ أيضاً مما كانت قوى الحرية والتغيير قد اتفقت عليه مع المجلس العسكري، في أول حزيران الماضي، قبل أن يتراجع المجلس العسكري على ذلك ويفضّ، بالقوة المسلّحة، يوم 3/6/2019، اعتصام القيادة العامة، وغيره من الاعتصامات في مدن السودان.

وبتوقيع الاتفاق يكون المجلس العسكري قد تراجع، جزئياً، أمام قوى الثورة، وساهم في فتح باب التغيير الذي طال انتظاره في السودان.

الشيوعي السوداني

 

للحزب الشيوعي السوداني (الذي تأسس عام 1946) تاريخ عريق، وتجارب نضالية ثرّة، وكان ومازال له دور وحضور فاعل، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في السودان، وفي النقابات العمالية والمهنية وبين القوى السياسية، فهو مكون رئيسي في تحالف قوى الحرية والتغيير، ومن مؤسسيه، وشارك في التفاوض مع المجلس العسكري على مدى الشهور الماضية.

ولا يعني ذلك أنه لم يواجه مصاعب وعقبات، فقد أمضى عقوداً في العمل السري وتعرض كوادره وقادته لاعتقالات متكررة، وتنظر إليه بعض القوى الطبقية نظرة عداء، وتستغل طيبة الشعب السوداني ومشاعره الدينية لتشويه صورة الحزب وسياسته.

ولكن كثيراً من القوى الناشطين ظلوا ينتظرون رأيه وموقفه لأنهم يعرفون أنه يقدم خطاباً عقلانياً وتحليلاً منطقياً ولا يساوم على حقوق الناس.

تلخص رأيَ كثيرٍ من السودانيين، العبارةُ التالية التي كتبها أحد الناشطين السودانيين (وهو دكتور، وليس عضواً في الحزب الشيوعي، بل إنه يقول إنه يختلف إيديولوجياً مع الشيوعيين)، فقد كتب على صفحته في الفيسبوك، صباح 1/7/2019، قبل توقيع الاتفاق بأيام:

(منذ الأمس وأنا أترقب وأنتظر على أحرّ من الجمر صدور بيان من الحزب الشيوعي السوداني حتى نفد صبري، فكتبت:

الحقونا ببيان، ففي بياناتكم بصيرةٌ نافذة، ومواقف واضحة، لا تهادن ولا تداهن، ولغةٌ رفيعة تعجّ بالثورية، وتضع يدها بدقة على موقع الجرح.. تسدّ الخلل وتعيد الاتزان لبوصلة الحراك إن حادت يميناً أو يساراً).

 

الثورة مستمرة والتغيير قادم

وقد أظهرت قوى الحرية والتغيير كفاءةً مميزة، على مدى الأشهر السبعة، منذ انطلاق ثورة الشعب السوداني، في أواخر كانون الأول 2019، وأظهر، بتوقيعه للاتفاق، قدراً عالياً من الحنكة والإحساس بالمسؤولية تجاه السودان وشعبه. وقد أعلن بعد توقيع الاتفاق مباشرة، استمراره في تمليك الحقائق للجماهير، ومتابعة النشاط الثوري وصولاً إلى تحقيق التغيير الكامل، وبناء سودان ديمقراطي يتمتع أبناؤه بحريتهم وكرامتهم وخيرات أرضهم، تحت الشعار الذي وحّد جماهير السودانيين، في مواكبهم وتظاهراتهم واعتصاماتهم وعصيانهم المدني، شعار (حرية، سلام، عدالة… مدنية قرار الشعب)!

العدد 1104 - 24/4/2024