حول مشروع قانون الاستثمار المقترح

المستشار عبد النبي دعدع:

بناء على دعوة رئاسة مجلس الوزراء للمشاركة في إبداء الرأي والمقترحات حول مشروع قانون الاستثمار الجديد أبدي ما يلي:

لقد أوضحت المادة الأولى منه حول مفهوم المشروع الذي تشمله أحكام هذا القانون بأنها (أي نشاط اقتصادي يهدف إلى تأسيس نشاط جديد أو التوسع في نشاط قائم أو إضافة أصول جديدة أو تحديث وتطوير وإعادة تأهيل منشآت قائمة).

بمعنى أن القانون المقترح وخلافاً للتشريع النافذ لقانون الاستثمار الذي ركز على مشاريع التنمية في الزراعة والصناعة والنقل أساساً وضمن الظروف الطبيعية التي تتطلب تحفيز المستثمرين على تأسيس هذه المشاريع، بينما نجد أن القانون المقترح قد فتح الباب على مصراعيه لمختلف الاستثمارات التي عددها، والتي شملت جميع ما تعرض له الاقتصاد السوري من تدمير وتخريب في مختلف قطاعاته بما فيها المنشآت الفردية المهنية والحرفية وتدرجاً إلى أكبر المنشآت من مختلف الصناعات والنقل والخدمات منها، وكأنه استهدف من خلال هذا القانون المقترح إعادة إعمار سورية نتيجة تداعيات الحرب الظالمة التي شهدناها خلال السنوات الأخيرة، والتي مازالت تفعل فعلها السيئ في الاقتصاد والمجتمع، في الوقت الذي نرى فيه أن إعمار سورية في ظروفها القائمة أحوج ما يكون إلى ما يشبه مشروع مارشال الذي قدم التمويل اللازم لدول أوربا بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب فيها بمختلف قطاعاتها وانعكاساتها الجسيمة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي فيها، ولأن مثل هذا الأمر غير متاح، إضافة إلى أن السياسة الوطنية السورية لن تسمح بفتح مجالات الاستثمار فيها للبلدان والشركات والمستثمرين في البلدان التي ناصبتنا العداء وساهمت في تمويل وتسليح الإرهابيين وتجنيد مرتزقتهم المحلية منها والخارجية، وإلا نكون قد منحنا هذه الجهات استثمار ما خربته أيديهم في سورية، ما يعني السيطرة على الاقتصاد الوطني لها معوضين بذلك خسارتهم في العدوان.

في ضوء ما تقدم أعتقد أننا في المرحلة الحالية لسنا في معرض البحث عن قانون استثمار جديد وفق الصيغة المعروض، ذلك أننا لم نعد في ظروف اعتيادية شبه طبيعية كي نفكر فقط بإتاحة الفرص أمام بعض النشاطات الاقتصادية التي نرغب بتنميتها مع الحفاظ على عدم ارتهاننا لجهات خارجية تقيد قرارنا الوطني، فنحن أحوج ما نكون إلى (صندوق إعادة الإعمار) يتم تمويله بتعويض سورية عن خسائرها التي تكبدتها أو الإعانات والمساعدات التي تقوم الدول والمنظمات والدول الصديقة والحليفة بتقديمها لسورية لتشكل رصيداً مقبولاً للمساهمة في توفير السيولة النقدية بالقطع الأجنبي للقيام بتمويل مشاريعنا التي تقتضي التركيز عليها لتحقيق قضيتين أساسيتين:

– معالجة موضوع البطالة التي وصلت معدلاتها إلى أعداد مخيفة بلغت الملايين ممن فقدوا أعمالهم والتركيز على تشغيلها كأولوية أساسية.

– التركيز على المشاريع التي تتوفر مدخلاتها من الإنتاج الوطني أو استكمال مراحلها الإنتاجية من مواد أولية متاحة للوصول إلى سلع جاهزة للاستهلاك.

والهدف من التركيز على هذين العاملين أننا أحوج ما نكون إلى تشغيل اليد العاملة للحد من البطالة بخطوات سريعة ومجدية للتصدي لمصادر الخطر التالية:

– إيجاد مداخيل للعمالة السورية المحلية واجتذاب من هم موجودون بالخارج للعودة إلى الوطن.

– حماية من هم موجودون في المخيمات في البلدان العميلة للغرب تحقيقاً للأهداف التي يستهدفها من تفكيك عرى الوحدة الوطنية لأبناء سورية.

– الحؤول دون انسياقها إلى بيع نفسها للعصابات المسلحة والمرتزقة الخارجين عن القانون وبؤر السوء في المجتمع.

– التركيز على إقامة المشاريع التي تعتمد على الموارد المحلية والمحاصيل الزراعي بشقيها النباتي والحيواني، إضافة إلى المشاريع التي يتركز الإنتاج فيها على الكثافة العمالية المطلوبة فيها سواء كانت من القطاعات الإنتاجية أو السياحية أو الخدمية عموماً.

من زاوية أخرى التركيز على سرعة الخطوات المطلوبة لإعادة إيواء السكان وإعادة تعمير المدارس والمباني الصحية لأنها تعتبر ركناً أساسياً في استقرار المواطنين وحمايتهم من الانقطاع عن التعليم لأبنائهم والمحافظة ما أمكن على صحتهم. وأعتقد أن في هذا المجال يمكن أن تساهم الدول الصديقة وشركائها ومؤسساتها في بناء وتمويل هذا القطاع بكفالة الدولة.

ومن ناحية أخرى وبغية دعم القطاع الخاص وتحفيزه وتنشيط دوره في الاقتصاد الوطني العمل على ما يلي:

– تقديم القروض والتسهيلات الائتمانية لأصحاب الفعاليات الاقتصادية بضمانة ما يملكونه من موجودات ثابتة أو برهن ما يماثلها.

– إصدار سندات لحساب الخزينة العامة كأحد مصادر القطع الأجنبي اللازم لهذه المرحلة يوجه لأصحاب الرساميل السوريين والمغتربين.

– النظر في إعفاء المشاريع الاقتصادية الحيوية التي نحتاجها بالمرحلة الحالية من الضريبة على الدخل لمدد إضافية.

– إعادة النظر بالمبالغ المنصوص عليها بقانون الضريبة على الدخل على الفعاليات التجارية والاقتصادية من خلال تعديل المبالغ الواردة بالشرائح التصاعدية بما يتماشى مع تدني القوى الشرائية للعملة الوطنية ومعدلات التضخم الجاري.

– النظر في تخفيض حصة أرباب العمل للصناعات والمشاريع الحيوية والخدمية من 14% كنسبة رب العمل بالتأمينات الاجتماعية وتخفيضها إلى 10% أسوة بما هو جار بالنسبة لحصة القطاع العام بالاشتراك في التأمينات عن العاملين لديه.

– تعديل الحدود الدنيا للأجور المعمول بها على المستوى العام لأجور العاملين بالقطاعين المشترك والخاص وتكريس القاعدة المنصوص عليها بقانون العمل في إعادة النظر بمستوى الأجور بما يتناسب مع توازنها ونفقات المعيشة بهدف دعم فئات العاملين وتحفيزهم على الارتباط الصادق مع أصحاب العمل خصوصاً أن البيانات المنشورة عن العديد من الجهات تؤشر إلى أن نسبة السوريين العاملين الذين يعيشون تحت خط الفقر قاربت الـ80%.

العدد 1102 - 03/4/2024