نساء يرفضن المساواة

إيمان أحمد ونوس: 

كأن الزمن والجهد الذي استغرقه العمل النسوي والمطالبة بحرية وحقوق النساء منذ عصر سيمون دي بوفوار وحتى اليوم لم يمسَّ أسماع نساء العصر الحديث، أولئك اللواتي ما زلن يتشبثن بقيم ومفاهيم الموروث الديني والاجتماعي، إضافة إلى القيم والأعراف والتقاليد التي طغت في كثير من جوانب الحياة حتى على القانون، حيث صار للعرف مكانته الخاصة أثناء تشريع بعض القوانين، لاسيما تلك المتعلّقة بالمرأة.

وتتعمق الغرابة حين نجد أن هذه المرأة الغارقة في بحور التقاليد المجتمعية على قدر معقول من التعليم، أو حاصلة على شهادات جامعية من المفترض أن تؤهلها للأخذ بالمنطق العلمي والحقوقي والإنساني أكثر من المنطق التقليدي والقيمي المتجذّر بالذهنية الاجتماعية المُقيّدة لها عن كل انطلاق. فهناك نسبة لا يُستهان بها من نساء مؤمنات وبقناعة راسخة بحقوق الرجل الممنوحة له إن كان في الشرع أو حتى في التقاليد والأعراف الاجتماعية سواء في تعدد الزوجات، أو سيادة مبدأ القوامة والولاية عليهنّ مهما صغُرَ شأنه، أو حق السيادة المطلقة في الحياة الزوجية والأسرية، انطلاقاً من أن الرجل أكثر دراية ومعرفة ومقدرة منها على حمل مختلف أو بعض المسؤوليات.

وما يُثير الدهشة فعلاً، أن تتمثل امرأة منتجة ومتعلمة هذه المفاهيم، وأن تُمعن في دونيتها إلى هذا الحدّ بعيداً عن أهلية الرجل أو إمكاناته المادية والفكرية والثقافية، أو أن تُقلّص كيانها الإنساني إلى ضلع قاصر يحتاج لرعاية وحماية الآخرين مهما كان شأنهم، وربما هي المسؤولة عنهم مادياً، أليس في هذا المنطق استلاب مطلق واستغراق مقيت لعدم تقدير الذات وضرورة توكيدها من خلال التعليم والاستقلال المادي؟ ثمّ، ألا تعلم تلك المرأة أنها إن لم تكن قادرة بذاتها على حماية نفسها وصون وجودها وحقوقها، لا يمكن لأحد آخر حمايتها مهما بلغت سطوته وقوته؟

أمام هذا الواقع، وأمام ما تحمله أولئك النساء من أفكار ومفاهيم تحطُّ من قدرهن، وتُلغي إنسانيتهن قبل أنوثتهن، لا يسعني إلاّ أن أقول كم هو شائك وطويل مشوارنا في محاولة تحرير المرأة من قيودها التي فرضتها هي مثلما فرضها المجتمع عليها بتعزيز موروثه القيمي والاجتماعي والديني، وكم نحتاج من وقت وجهد للوصول إلى غايتنا من خلال وجود المرأة في مكانتها الطبيعية واللائقة جنباً إلى جنب مع الرجل، وبالتالي الوصول إلى المساواة الحقيقية التي ننشد.

العدد 1102 - 03/4/2024