ما لم يتجذَّر في اللاوعي نتنازل عنه بسهولة
إيناس ونوس:
منذ ظهر تقسيم العمل تحدَّدت مهام كل من الرَّجل والمرأة، وقد اعتُمد هذا التَّقسيم كمنهجٍ للتَّفكير والتَّربية في مختلف المجتمعات على مرِّ العصور فيما بعد، فغدا من البديهي أن تقترن مسؤوليات الرَّجل بما هو خارج المنزل، بينما تتولَّى المرأة زمام كل ما له علاقة بداخله. وحتى بعد أن خرجت المرأة للعمل، تمسَّك الغالبية ومنهم بعض النّساء بهذا التَّقسيم، فبقي في تفكيرهن أن الرَّجل مسؤولٌ عنهن وعن تأمين مستلزمات معيشة عائلته وبيته، مُعتبراتٍ مردود عملهن حقَّاً لهن يحميهن من غدرات الزَّمن.
إلى أن ارتفعت المطالبات من قبل التَّنظيمات النِّسائية وغيرها بأهمية تطوير وعي المرأة لذاتها ووجودها وضرورة أن تكون فعَّالةً مع شريكها في مسؤولياتهما المشتركة، وفعلاً اعتُمد هذا النَّهج كنمطية حياةٍ، بأن ما هو ملكٌ لكلٍّ منهما هو ملكٌ للآخر وبالتالي ملكٌ للأسرة بكلِّ أفرادها، ما أدَّى لأن تصبح المسؤوليات مناصفةً إن صح التَّعبير بين كلا الطَّرفين، ويساهم بدوره بشكلٍ كبيرٍ بانتشار وتبنِّي مبدأ المساواة بين الجنسين.
غير أننا نرى اليوم نكوصاً وتراجعاً غير منطقيٍّ في بعض الأحيان من قبل المرأة تحديداً بمطالبتها للرَّجل بتحمُل مسؤولياته المنوطة به، ورفضها لفكرة المساواة، واعتناقها لأفكارٍ لا تتوافق مع ما تعيشه الأسر اليوم. فهي/المرأة تريد العمل خارج المنزل من أجل الفائدة المادية ومن أجل أن تُحقِّق ذاتها، لكنها غير مسؤولةٍ عن تأمين مستلزمات بيتها وعائلتها ولا علاقة لها بالشريك الذي تُطالبه في الوقت ذاته بأن يأخذ دوره التَّاريخي إضافةً لرغبتها بتحمُّل مسؤولياته داخل المنزل أيضاً!! ومؤخّراً نرى هذا المنطق ينتشر كثيراً لاسيما في أوساط المثقفين/ات وحاملي/ات لواء التغيير الاجتماعي.
قد يكون مرد هذا التَّقهقر ناتج أمثلةٍ عايشتها المرأة أو سمعتها عن أخرياتٍ غيرها ساهمن وكنَّ شريكاً حقيقياً وفعَّالاً في الحياة مع الرَّجل، وعند المحك على أرض الواقع (عند حدوث طلاقٍ أو ما شابه) خرجن صفر اليدين سواء من قبل الرَّجل أو ممَّن هم حوله أو حتى من أولادها بعد كل ما فعلته لأجلهم، معتمدين جميعهم وللأسف الشَّديد على عدم وجود قوانين تحمي المرأة وتُنصفها في مثل هذه الحالات.
وصفر اليدين هنا لا ترتبط فقط بالأمور المادية، بل تنعكس على مختلف الأمور. فكم من النَّماذج التي نراها في حياتنا ومن حولنا قد خسرت كل شيء، وخسرت عمرها وحياتها، وتُركت كجذع شجرةٍ يابسٍ في مهبِّ الرِّيح تتقاذفها كيفما شاءت!
إن مبدأ المساواة الذي اعتنقه الكثير من أبناء وبنات مجتمعنا على حدٍّ سواء لم يتم التَّعامل معه بشكلٍ منطقي، فلم يتجذَّر في نفوسهم/ن ولم يتشربوه/نه في اللاوعي، بل تعاملوا/ن معه على أنه بريستيجٌ اجتماعيٌّ يميزهم/ن عن غيرهم فقط، ما أدَّى لأن تكون ردَّات الفعل سلبيةً ومباشرةً عند كلا الطَّرفين، وخاصّة عند المرأة لأنها لا تزال تُعامل أو ترى نفسها على أنها ضلعٌ قاصرٌ رغم كل ما تقدِّمه وتتحمَّله، وتحديداً في الواقع السُّوري وفي ظلِّ الحرب الكارثية التي عشناها ونعيش اليوم آثارها وتجلياتها، فصرنا أمام مشهدٍ غير مفهوم. كيف بإمكان تلك المرأة أن تتحمَّل وبجدارةٍ كل تلك المسؤوليات التي وقعت على عاتقها في غياب الرَّجل، وكيف تطلب هي نفسها منه بوجوده أن يعود لتقليديته وتربيته الذُّكورية؟!