من القلب إلى القلب | اتحاد الكتاب العرب في العيد الذهبي.. 2: برج للاتحاد، ولا يوجد غرفة للكتّاب!

عماد نداف:

عندما كان الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل رئيساً لتحرير صحيفة الأهرام، خصص مكاتب أنيقة في مبنى الأهرام الضخم لأبرز كتاب مصر، لكي يأتوا ويجلسوا فيها، لأن الأهرام يُفترض أن تتشرف بهم، وقد تم تجهيزها بفرش أنيق ووسائل اتصال وكتابة، ويمكن لأي كاتب أن يستنفر أرشيف الأهرام بكامله إذا كان يحتاج إلى معلومة منه.

وفي مقال شهير، نشره الكاتب الراحل محمد الماغوط في صحيفة تشرين ذات يوم من عام 1976، على ما أذكر، توقف عند صورتين لمقر اتحاد الكتاب العرب، وكان يقصد يومذاك المقر الموجود في الأزبكية، وفيه الآن فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب.

انتبه محمد الماغوط، والكلام من ذاكرتي، إلى هاتين الصورتين من خلال ملاحظته لما كان يحصل في هذا البناء، الأولى هي حالة الهدوء والسكينة فيه، وقد وصف المكان بطريقة توحي بأن لا حركة فيه، ولا نشاط ولا كتّاب ولا من يحزنون، وظن أنه يصلح للكتابة والتأمل والنقاهة نظراً للجو الهادئ المحيط به، وللغرف الفارغة فيه.

والحالة الثانية هي حالة الضجيج التي دبت فيه بعد فترة قصيرة من مروره الأول، فسأل عن سبب هذه الحركة المفاجئة متوقعاً حراكاً ثقافياً ما، فقيل له أن الاتحاد أعلن عن التسجيل في جمعية سكنية للكتاب، فراح كل من هب ودبّ يسعى للتسجيل ككاتب فيسجل في الجمعية!!

كان محمد الماغوط يسخر من حال الاتحاد وقتئذٍ، نعم، فلا شيء يحركهم، ولا نشاط ثقافي يليق بهم ولا قضية تدب الحياة فيهم وفي مقر اتحادهم، وربما لا أحد يعرفهم كما حصل هذه الأيام مع إحدى المكتبات الضخمة في العاصمة التي رفضت استضافة حفل توقيع لثلاثة كتاب دفعة واحدة، لأن جدول أعمالها مشحون بالنشاطات (على حد قول مسؤوليها)!

فيما بعد انتقل اتحاد الكتاب العرب من ذلك الطابق الصغير، إلى الصرح الموجود فيه الآن في أوتوستراد المزة، وهذا البناء أهداه للاتحاد الرئيس الراحل حافظ الأسد مشكوراً لكيلا يحتاج الكتّاب لأحد، وليكونوا مستقلين وأقوياء.

يشبه بناء الاتحاد اليوم برجاً عالياً، يدخل الأثرياء إلى مطعمين فاخرين تابعين له للترفيه عن أنفسهم وصرف الفائض في جيوبهم، ومن زجاج هذين المطعمين يمكن لهؤلاء الأثرياء، وبعضهم من المسؤولين، مشاهدة أعضاء الاتحاد وهم يمرون من أمامهم غرباء مهزومين (معتّرين)، يتأبطون مقالاتهم الجاهزة للاستكتاب بأرخص الأسعار، فلا يستطيع أحد منهم شرب فنجان قهوة في الصالتين المبردتين الجميلتين اللتين أجّرهما الاتحاد، فذاك يحتاج إلى ثمن مقالين على الأٌقل ينشرهما الكاتب عندنا.

والآن لا يشغل الاتحاد منه إلا الطابق الأول، والطابق الأول يحتوي على المكاتب المتعلقة بالديوان والمالية وأمانة الاتحاد وبعض المكاتب لأعضاء المكتب التنفيذي، وهناك قاعتان للاجتماع لا تصلحان للاجتماع إلاّ بصعوبة!

لا يوجد في (برج الكتّاب) قاعة يجلس فيها الكاتب مع ضيوفه، ولا مكتبة يمكن أن يعود من خلالها إلى منشورات الاتحاد أو أعمال زملائه، وليس هناك من مكان يرحب به سوى الزميل المحاسب سلام الذي يعدّ إبريقاً من الشاي بحجم طنجرة، ليقدم منها كؤوساً كبيرة لأولئك الذين يتوقع قدومهم لقبض الاستكتاب بين لحظة وأخرى.

والغريب أن في اتحاد الكتاب العرب جمعيات للقصة والرواية والمسرح والشعر والدراسات وأدب الأطفال، وليس هناك في هذا (البرج) غرفة، أو خزانة أو حتى رف لأي جمعية، إلى الدرجة التي أعلن فيها أحد الزملاء (وقد أصبح رئيساً للاتحاد الآن) في أحد اجتماعات جمعية القصة والرواية أن من الضروري المطالبة بخزانة لكل جمعية، وهذا أضعف الإيمان، كي لا تضيع الأوراق والنصوص التي يقرؤونها أو يتناقشون حولها.

ومع أن الاتحاد قام بتأجير هذا (البرج) تاريخياً، واسترد بذلك دخلاً مهماً، فقد ظل الكاتب على حاله يقبل أن ينشر مقالاً أو دراسة أو بحثاً أو قصيدة مقابل تعويض لا يكفي ثمناً لفناجين القهوة التي تتطلبها طقوس الكتابة!

إذاً. الكاتب ليس بخير، ولا يمكنه أن يكون فاعلاً في المجتمع الذي يخرج اليوم متعباً من حرب ظالمة، وهو بحاجة إلى عقول جديدة نيرة قوية مستقلة تقدم له حصانته الوطنية، وقادرة على تقديم نموذجٍ على شخصية الإنسان السوري الحضاري الذي يمكنه تجاوز ما حصل بثقته بغده ووطنه وثقافته التنويرية التي يرفع الاتحاد شعارها.

 … (يتبع)

العدد 1102 - 03/4/2024