ماذا بعد إسقاط الـ(غلوبال هوك)؟!
د. صياح عزام:
وصلت المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران إلى حافة الهاوية وكادت أن تتعداها لاسيما بعد حادثة إحراق ناقلات النفط في خليج عُمان، وإسقاط طائرة التجسس الأمريكية المسيّرة (غلوبال هوك) بعد دخولها الأجواء الإيرانية لعدة أمتار.
وللعلم فإن الطائرة المسيّرة غلوبال هوك التي أسقطتها إيران هي واحدة من أربع طائرات فقط تمتلكها واشنطن، ويقدر ثمنها ما بين 250 و275 مليون دولار، وتتمتع بتقنيات عالية جداً، إذ إنها تحلق على علو شاهق يصل إلى 65 ألف قدم، وتستطيع أن تراقب أمن أي دولة من دون دخولها، وتصور ما تشاء من الأماكن والمنشآت، ولدرجة يصعب استهدافها ويجعل من المستحيل اكتشافها وتعقبها، ولكن ما حصل أن القدرات العسكرية الإيرانية الهائلة تمكنت من إسقاطها، الأمر الذي أحدث ارتباكاً كبيراً وغير مسبوق لدى القيادات العسكرية والسياسية الأمريكية، فراح الرئيس ترامب يصرح بأن الطائرة أسقطت عن طريق (الخطأ) وذلك بهدف (تسخيف) الإسقاط، ولتلافي الفضيحة العسكرية بأن الولايات المتحدة لا تعرف القدرات العسكرية الكبيرة لإيران، كما أشارت إلى ذلك مجلة (التايم) عندما ذكرت في تعليق لها حول الحادث، أن لدى طهران قدرات عسكرية أكبر بكثير مما تعلمه واشنطن. أما موقع (دايلي بيست) الأمريكي فقد أشار إلى أنه من غير المرجح وقف استخدام هذه الطائرة، ولكن يمكن تغيير طريقة خدمتها.
إن مجموعة من التساؤلات المهمة تطرح نفسها، ماذا بعد إسقاط هذه الطائرة؟ وهل فعلاً أن ترامب جاهز للحوار مع إيران دون شروط مسبقة كما صرح بذلك بعد أن كان يرفع العصا ضد طهران ويهدد ويتوعد؟ وما هي حقيقة برودة ردة الفعل الأمريكي بعد هذا الإحراج لإدارة ترامب؟
في سياق الإجابة عن هذه التساؤلات هناك أكثر من رأي منها:
- البعض يصف المشهد بعد إسقاط الطائرة غلوب بأنه هدوء ما قبل العاصفة، بمعنى أن المنطقة تنتظرها حرب إقليمية واسعة، أو أن هناك عملاً حربياً يحضر له لضرب أهداف محددة في إيران.
- والبعض الآخر يرى أن ترامب بقي له في البيت الأبيض خمسة عشر شهراً، وأنه أعلن منذ أيام بدء حملته الانتخابية لولاية رئاسية ثانية، وبالتالي فإن أية حرب يشنها على إيران ستجعله يخسر في تلك الانتخابات، ولكنه سيستمر في التصعيد والتهديد ليكون هذا الأمر بمثابة ورقة يستخدمها لصالحه في الانتخابات القادمة، هذا إلى جانب أنه يدرك أن روسيا والصين ستقفان إلى جانب إيران لأنها تدافع عن نفسها.
- ويرى آخرون أن ترامب سيستمر في الضغط على إيران عن طريق العقوبات عله يتوصل معها إلى اتفاق جديد يحفظ لأمريكا ماء الوجه، على أن يقترن هذا الاتفاق باسمه، ويلغي الاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما.
على أي حال، تبقى هناك عدة احتمالات وسيناريوهات قد تظهر لاحقاً، ويجمع العديد من الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين المتابعين للأوضاع على أن إرسال الطائرة غلوبال الأمريكية التي أسقطتها إيران، كان بمثابة محاولة جس نبض إيران ومعرفة قدرتها العسكرية، بمعنى أن واشنطن أرادت أن تعرف هل إيران جادة في المواجهة ومستعدة لها أم لا؟!
ويشير خبير بالشأن الإيراني إلا أن إيران تعلم حق العلم أن الطائرة المذكورة متطورة وغالية الثمن، ولكنها أسقطتها بعد أن اخترقت حدودها.
باختصار إن عقارب الساعة في إيران لا تتجه لصالح ترامب، وقد تحولت إيران إلى كابوس مقلق له ولإدارته، هو لا يتصور حتى الآن كيف تمكنت إيران من إسقاط هذه الطائرة الأكبر والأكثر ارتفاعاً في العالم، والموصوفة بأنها غير قابلة للتعقب والاصطياد، وهو إلى جانب ذلك يشعر أن عليه ألا يترك هذا الحادث يمر من دون رد، خاصة أنه قلق من الرد الإيراني على ذلك في الوقت نفسه.
أخيراً، الجميع يعرف أن إيران ليست لقمة سهلة الابتلاع، ولها أصدقاؤها وحلفاؤها، وأن أية مغامرة أمريكية ستكون بمثابة كارثة على المنطقة بأسرها، وعلى أمريكا، وأن جوقة المطبلين لهذه الحرب والداعين للإسراع في شنها من قبل أمريكا على إيران وبالتحديد إسرائيل والسعودية والإمارات، هذه الجوقة لن تكون بعيدة عن أهوال وكوارث هذه الحرب إن حصلت، بل ستكون في مقدمة المتضررين والخاسرين.