قمة البحرين الاقتصادية.. أبعادها ومخاطرها!
د. صياح عزام:
أعلن البيت الأبيض عن عقد ما أسماها قمة اقتصادية في المنامة بالبحرين تحت عنوان (الرخاء من أجل السلام) في أواخر شهر حزيران 2019، وبالتحديد يومي 25 و26 منه، وإمعاناً في التضليل وصفت بأنها ستكون على شكل ورشة اقتصادية دولية تهدف إلى تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بطبيعة الحال مثل هذه القمة لم تكن لتعقد لولا الموافقة والتواطؤ والمشاركة لعدد من عواصم التطبيع في منطقة الخليج العربي وغيرها.
لا شك بأن هذه القمة ما هي إلا ترجمة لفكرة الإرهابي نتنياهو المسماة (السلام الاقتصادي) والتي تنسجم مع صفقة القرن، وكلاهما لا تتطرقان إلى معاناة الفلسطينيين سواء في الداخل أو المنافي والشتات، وبالتالي فهي خطيرة جداً على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وهي مخططة بشكل منهجي، إذ سيشارك فيها وزراء مالية وخبراء في الاقتصاد ورجال أعمال من الدول السائرة في ركاب سياسة واشنطن، وسيمثل فيها الولايات المتحدة وزير الخزانة الأمريكي، وسيحضرها وزير مالية كيان الاحتلال موشيه كحلون مع وفد صحفي إسرائيلي.
وفي هذا السياق، يقول كوشنر (صهر الرئيس الأمريكي ترامب): (إن المؤتمر الذي سيعقد في البحرين سيتيح لبلاده تقديم أفكار ديناميكية اقتصادية مهمة للمنطقة بعد أن فشلت الحلول التقليدية في الوصول إلى اتفاقات مجدية)، حسب زعمه. ويقصد بذلك عدم التوصل لتسوية سياسية للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيلي ترضي الطرفين.
إن العنوان الذي ينعقد تحته المؤتمر (الرخاء من أجل السلام)، أو (السلام من أجل الازدهار) هو مجرد اسم حركي لخطة نتنياهو التي أسماها – كما أشرنا قبل قليل، بـ(السلام الاقتصادي)، وستكون كبديل عن تسوية سياسية متوازنة للصراع العربي الصهيوني في إطار مؤتمر دولي للسلام وعلى ضوء قرارات الشرعية الدولية، وبما يستجيب للحقوق الفلسطينية في حدودها الدنيا وذلك بقيام دولة مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هذا مع العلم بأن معاناة الفلسطينيين في الداخل وفي المنافي تعود في الأساس إلى واقع الاحتلال وممارساته قبل أن تكون ناجمة كما يتصور منظمو مؤتمر المنامة، عن مشاكل يومية تحل بالمال، مقابل إسدال الستار عن قضيتهم. ومعروف للجميع أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يحكم قبضته على جميع الأراضي التي احتلها عام 1967، وينظر إلى الفلسطينيين مجرد قوة عمل احتياطية رخيصة الثمن، وأسواق لتصريف البضائع الإسرائيلية.
إذن هذه الورشة الاقتصادية الدولية في المنامة هي جزء من خطة أمريكية – إسرائيلية لاتفاق سلام في الشرق الأوسط يوفر الفرصة للاستثمارات الاقتصادية الأمريكية والغربية في المنطقة، بما في ذلك الاستثمارات في الأراضي الفلسطينية، بموجب ملحق اقتصادي سيعلن عنه قبل انعقاد المؤتمر أو الورشة، أما الشق السياسي من الاتفاق فسيعلن عنه لاحقاً حسب أقوال كوشنر ورعاة المؤتمر والذي سيعالج القضايا السياسية الأخرى الأساسية حسب ادعائهم. والآن ماذا يمكن القول حول هذا المؤتمر؟
أولاً- إنه محاولة لفتح ثغرة في الموقف الوطني الفلسطيني وإلحاق الضرر بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني.
ثانياً- محاولة لمقايضة الحقوق الوطنية المشروعة بالمال.
ثالثاً- يشكل طعنة في الظهر لنضال الشعب الفلسطيني على مدى ما يقارب قرناً من الزمن ولشهدائه الأبرار.
رابعاً- يهدف المؤتمر إلى وضع أسس لترتيبات جديدة في المنطقة على قاعدة تقوية وتوسيع علاقات الدول العربية مع كيان الاحتلال وعلى ركائز اقتصادية ومحاولات تحجيم إيران المؤيدة لحق الفلسطينيين.
وهنا نقول: لا شيء يوحي بنجاح المؤتمر المذكور، لأن إقامة علاقات تعاون اقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل لم تنجح سابقاً، بسبب إهمال الجانب السياسي، ومؤتمر مدريد والمفاوضات متعددة الأطراف ومؤتمرات التنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي عقدت في الدار البيضاء والدوحة وعمان والقاهرة ما بين عامي 1991 و1997 أكبر دليل على هذا الفشل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن دولاً وازنة ستقاطعه مثل روسيا والصين اللتين أعلنتا أنهما لن تشاركها فيه تضامناً مع شعب فلسطين، وتأكيدهما على دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم في حدود عام 1967وعاصمتها القدس الشرقية.