بين داعم للعقوبات ومقاوم لها

أحمد ديركي:

تصنف (العقوبة) ضمن خانة أنواع (القصاص)، وتُعتبر إحدى أدوات (تأديب) المذنب الذي كسر أو عارض أو تخلى عن الالتزام بما هو مفروض عليه من قيم وعادات وتقاليد وقوانين يتبعها مجتمع ما. وبشكل عام يمكن اعتبار (العقوبة) على أنها أداة قصاص لإعادة تطويع (المعاقب) للالتزام بما هو مفروض عليه.

لا تتوقف (العقوبة) عند حدود المجتمع بل تمتد إلى ما هو سياسي أيضاً. فالدول تفرض (عقوبات) بعضها على بعض. إلا أن (العقوبات) هنا تختلف عما هو قائم في المجتمع، فهناك منظمات دولية كالأمم المتحدة، والقانون الدولي، والمعاهدات والمواثيق الدولية. لتأخذ (العقوبة) مفهوماً مغايراً عما هي في المجتمع، وإن اتفقت بالجوهر مع مفهومها في المجتمع. بعبارة أخرى فرض عقوبة ما، أو عقوبات، على دولة ما يجب أن تمر عبر المنظمات الدولية ويكون لها مبررها في القانون الدولي. فالعقوبة على المستوى السياسي ليست بعشوائية، بل لها تشريعاتها وقوانينها.

لم تكن سورية أول دولة تُفرض عليها عقوبات، ولن تكون الأخيرة! فماذا فعلت سورية على مستوى القانون الدولي كي تُفرض عليها العقوبات؟ لا شيء!

في عالم السياسة، وإن وُجد قانون دولي ومنظمات دولية، فإن مبدأ القوة هو المهيمن، والقوة هنا لا تتوقف على القوة العسكرية، فقط، بل ضمناً الاقتصادي والتكنولوجي والايديولوجي. يمكن تلمس فعل (القوة) في الدول التي تملك حق (الفيتو) في الأمم المتحدة! وكل متتبع للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية يمكنه لحظ، ودون أدنى جهد، ترجمة مفهوم (القوة)، وإن تعارض مع القانون الدولي وقرارات المنظمات الدولية. قد يكون أبرز دليل على هذا القضية الفلسطينية وموقف الولايات المتحدة الداعم للكيان الصهيوني.

من مفهوم (القوة) يشتق مفهوم (الهيمنة). للهيمنة طريقان واحد مباشر وآخر غير مباشر. المباشر: تستخدم القوة العسكرية للهيمنة المباشرة على بلد ما، كالغزو الأمريكي للعراق، أو فرض عقوبات. أما غير المباشر فيأخذ أشكالاً متعددة من أبرزها (الغزو الثقافي)، تبدأ من بنطال الجينز أو ربطة العنق وصولاً إلى اللغة ونمط التفكير!

في خضم هذه الآلية المعقدة (للقوة) تُفرض (العقوبات) على الدول الرافضة الخضوع للهيمنة الأمريكية، ويتخذ من القانون الدولي والمنظمات الدولية مطية لفرض العقوبات وتنفيذها. كما يمكن تخطي كل هذه الآلية المعقدة وفرض العقوبات على دولة ما من قبل الأقوى لإخضاعها و(تأديبها) لأنها قالت (لا للهيمنة الأمريكية).

تستعد الدول التي ترفض الهيمنة الأمريكية لمواجهة العقوبات في أي لحظة. من القواعد الأساسية للاستعداد تعزيز القدرة على المواجهة، والصمود وطرح المشروع البديل لما تود الولايات الأمريكية فرضه.

المواجهة ترتكز بشكل أساسي على شعب البلد، ومدى تناغم السلطة السياسية مع شعبها للمواجهة، والصمود، وطرح المشروع البديل في وجه الهيمنة الأمريكية. كسر التناغم ما بين طرفي معادلة المواجهة يجعل من الصمود مجرد مصطلح فارغ المضمون!

من الأدوات الأساسية للعقوبات العقوبات الاقتصادية، ومنها على سبيل المثال منع تصدير منتج ما للدولة المفروض عليها العقوبات. فكيف يمكن مواجهة هذه العقوبة؟ الإجابة: تحفيز القطاع الإنتاجي ودعمه ليكون في خدمة الشعب ودعم صموده وتمتيناً لقول لا للهيمنة الأمريكية، وحمل المشروع البديل في عقول الشعب ليتحول المشروع البديل الى سلاح في يد الشعب لمقاومة الهيمنة.

أن يكون الشعب من الركائز الأساسية للصمود والمواجهة أمر يجعل من الواقع الاقتصادي للشعب ركناً أساسياً من أركان صموده. هنا يأتي دور تعزيز الاقتصاد الوطني، وتحديداً القطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي، لا الريعي والخدماتي، ليمثل الاقتصاد دعماً للشعب، والشعب أساس الصمود.

لكن عندما يعرف الشعب أن لا الاقتصاد الوطني في خدمته ولا الزراعي ولا الصناعي، بل هما في خدمة مصالح طبقة صغيرة طفيلية منه، وفي خدمة الاقتصاد الريعي، وضمناً العقاري، والخدماتي، هنا يُطرح السؤال التالي: ما جدوى الصمود؟ والصمود لمصلحة من؟

عندما يُحرم المواطن من كل رفاهيات الحياة، وعليه أن يعمل بأكثر من وظيفة كي يؤمن قوت يوميه وقوت أسرته، إن استطاع تكوينها، ويرى أن هناك طبقة صغيرة طفيلية تستأثر بمعظم الاقتصاد الوطني وتنعم بكل رفاهيات الحياة وتستفيد من العقوبات المفروضة على البلد، هنا يطرح السؤال التالي: ما جدوى الصمود؟ والعقوبات على من: على الشعب والدولة أم على طبقة محددة من الشعب؟

فمن خلال دعم القطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي يمكن لطبقات الشعب المسحوق اقتصادياً والصامد في وجه العقوبات أن ينعم ببعض من (الأمان الاقتصادي) وفي الوقت عينه تعزيز مقومات صموده وصمود البلاد. أما إطلاق العنان للقطاع الريعي والخدماتي فيمثل دعماً للحصار وسحقاً للشعب. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، شعب مسحوق اقتصادياً وخدماتياً، المقصود هنا بالخدمات الخدمات التي تقدمها الدولة للشعب، بكونه دافع للضرائب، من تعليم مجاني، وصحة، وطبابة، ونقل عام، وكهرباء، وماء، ونظافة، يقف صامداً في وجه العقوبات ويصرخ بأعلى صوته (لا للهيمنة الأمريكية) و(لا لأي هيمنة)، وهو يصرخ يرى بأم عينه من (يمتطي) سيارة حديثة الطراز، وسعرها يوازي ما يزيد عن 50 سنة من دخل المواطن، من دولة فارضة العقوبات والحصار على الشعب والسلطة!

صاحب هذه السيارة داعم مباشر للحصار والهيمنة والشعب ضد الحصار والهيمنة وكلاهما موجودان في الشارع عينه! فهل داعم الحصار ومقاوم الحصار في خندق واحد يقاومان الحصار والعقوبات؟!

العدد 1102 - 03/4/2024