ثقافة الجمال… المحبّة

عباس حيروقة:

ثمّة إجماع بين الأديان والرسالات السماوية والمثيولوجية والمدارس الفلسفية والإصلاحية والفكرية والأدبية على ضرورة العمل على تعزيز المحبّة كفعل حضاري أخلاقي يجب العمل به أو عليه، للوصول إلى مجتمع سليم متماسك معافى ينبذ القبح والعنف والشر ويسعى بكل مفرداته إلى الانتصار للجمال والسلام والحب.

وباتباع المحبّة، كنهج أو كسلوك، يؤكد الإنسان أنه خليفة الله على هذه الأرض وأنه الأبهى إن لم نقل القاموس الجامع لكل مفردات الله المسطورة في آفاقه.

إنه الإنسان الحامل والناشر والمحصّن والمدافع عن الحب الذي قال فيه فيلسوف ذاك الزمان أوغسطين: (أحِبّوا وافعلوا ما شئتم!). ولأن عامل المحبة إن توافر لا يفرز إلا الخير والجمال ويورث السكينة لكل الوجود وممكنات الوجود. وقبل أوغسطين قالت الأنبياء والرسل بذلك وبعده أيضاً، إذ قال السيد المسح:أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم. وقال السيد الرسول محمد (ص): لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقالت.. وقالوا.. في المحبة.

الإنسان المشغول والمنشغل في عالم الصراعات والمتناقضات (الخير والشر الظلمة والنور المحبة والكراهية الجوع والتخمة.. الخ) إلى أن يقف بعد تأمل وتفكّر.. ويصرخ بأعلى ما زرعه الله فيه من قيم: المحبة.. المحبة.

ولأن الحضارة السورية تعود إلى عشرات آلاف السنين، ولأن سورية قدمت للبشرية جمعاء مختلف الإنجازات الحضارية من فن وإبداع وموسيقى وفلسفة وعلوم وفلك و..الخ أبدعتها أنامل سكانها وعقولهم وقلوبهم نتيجة حيويتهم الذهنية والبدنية والروحية فخرجت من بين أناملهم أول مدونة موسيقية.. وأول حقل قمح.. وأول معصرة زيتون.. وأول.. وأول.. الخ، فكانوا الأوائل بحق في كل مناحي الحياة حتى من زراعة وصيد وتدجين.. إلى أن صدروا للعالم..كل العالم أعظم وأغنى وأول أبجدية عرفتها البشرية.

من اوغاريت عرف العالم وتعلم مبادئ رسم الحروف..

ومن شواطئ سورية أبحرت السفن الفينيقية إلى كل العالم حاملة وناشرة الحضارة والخير والسلام والديمقراطية والحرية بأرقى مفردات الحب.

ولأن سورية أعطت العالم نخبة أبنائها فحكموا العالم ملوكاً وقياصرة وأباطرة وبطاركة وباباوات ورموز فكر ودين وفلسفة وشعر وطب وفلك وهندسة..الخ، ولأنها الأغنى بين دول العالم تراثياً (الظاهر والمكتشف منها على الأقل) من حضارات (أوغاريت، ماري، تدمر، إيبلا..الخ) ومن قلاع ومسارح وكنائس وأديرة وأقنية مائية…

لأن سورية مركز نور وإشعاع حضارة وسلام وحرية..حاولوا وما زالوا إطفاء أو إخماد نورها الربانيّ تارةً بأفواههم وتارة بأياديهم.. فعمدوا إلى تصدير ثقافات مغايرة (ثقافة الموت) بمفردات مغايرة للحالات البدهية التي تربت عليها وربت أبناءها.. ثقافة موت بمفردات مرعبة مقززة (تقطيع رؤوس، أطراف، بقر البطون والعيون، أكل الأكباد) ثقافة التخريب والتدمير للمؤسسات وللبنى التحتية… ثقافة التهجير والشتات والمخيمات..

ولأننا في سورية كنّا وما زلنا وسنبقى نصرّ على الحياة كان لا بد من الحب والخير والسلام.. لابد من النور والجمال والشمس لنبقى نؤكد للعالم كل العالم أننا أصحاب حق بالحياة وسنبقى نعمل على تصدير ثقافة الحب والخير والحرية والسلام..

إذ ليس لنا من مخرج مما نحن فيه من خراب على كل الأصعدة إلا بالمحبة.. وبقدر ما نحن قادرون على ممارسته كفعل حضاري، فإننا قادرون على إلحاق الهزيمة بأعداء الحياة.. بالقبح.. بالشر.. بالموت.. فكيف لا ونحن أبناء الحياة؟!

العدد 1102 - 03/4/2024