فقير وإن كنت تعمل!

د. أحمد ديركي:

إذا أردنا مقاربة الفقر، نحتاج إلى الكثير والكثير من الورق والحبر والخبراء ومراكز الدراسات والأموال. ونحن بحاجة إلى كل هذا على الرغم من الكم الهائل من الدراسات السابقة، وطبعاً اللاحقة، إن كان على مستوى الدول أو المؤسسات الدولية أو المنظمات الحكومية واللاحكومية.

كل هذ الدراسات، والتي يمكن القول إن تكلفتها بلغت مليارات الدولارات، ومازالت تنفق المليارات عليها، لم تُحَلّ مسألة الفقر!

هنا يمكن طرح الإشكالية التالية: هل الفقر من طبيعة المجتمع البشري، لذا تأتي كل هذه الدراسات والميارات من أجل تقليص نسبه أو الحد منه؟ أم أنه ناجم عن طبيعة نمط الإنتاج القائم؟

إشكالية تجعل من مقاربة الفقر لإيجاد حل لهذه الظاهرة المجتمعية أمام مدرستين فكريتين لا ثالثة لهما. إما أن يقارب وفقاً لفكر المدرسة البرجوازية أو الشيوعية.

لن نغوص في تفاصيل هاتين المدرستين، لكن سنحاول مقاربة الفقر بشكل منطقي، ومبسط.

لا يوجد تعريف واحد موحد للفقر، لكن المتفق عليه، مؤخراً، على المستوى العالمي، هو كمية السعرات الحرارية التي يجب تأمينها لبقاء الإنسان حياً لمدة يوم. جرى تسعير هذه السعرات الحرارية بما قيمته بـ 1.5 دولار يومياً. وحُدِّد خط الفقر وفقاً لهذه القيمة. بعبارة أخرى على الفرد أن يحصل على دخل يومي يوازي 1.5 دولار يومياً ليكون واقفاً على خط الفقر. فإن كان دخله أقل يصنَّف بـ(دون خط الفقر)، أو (تحت خط الفقر)، وان كان أكثر قليلاً يصنَّف بـ(فوق خط الفقر).

أي إن مسألة الفقر بجوهرها تعتمد على مستوى دخل الفرد. وما دمنا نتحدث عن (الدخل) فهذا يعني أننا نتحدث عن نمط إنتاج رأسمالي يولد الفقر. أي أن الفقر ليس من طبيعة المجتمع البشري.

في ظل نمط الإنتاج هذا، مصدر الدخل يكمن في العمل، طبعاً هنا نتحدث عن الطبقة العاملة، وهي الأكثرية، التي لا تملك وسيلة الإنتاج، بل جل ما يملكه العامل هو قوة عملة، يطرحها للبيع في السوق ليشتريها مَن يملك وسيلة الإنتاج. فإن لم يجد العامل من يشتري قوة عمله يصبح مُعطَّلاً عن العمل، وليس عاطلاً عن العمل. من هنا تنشاء ظواهر عدة، من الفقر إلى البطالة إلى السرقة… إلخ.

بداية أتت حلول المدرسة البرجوازية بايجاد فرص عمل جديدة للمعطّلين عن العمل. لذا نجد معظم الدراسات التي ينفق عليها المليارات من الدولارات قائمة بجوهرها على كيفية خلق فرص عمل جديدة سنوياً لاستيعاب اليد العاملة التي تضاف إلى سوق العمل سنوياً.

لكن بعد التدقيق يتبين ان (العمل) ليس حلاً للفقر!! نعم العمل ليس حلاً للفقر، بل مستوى الدخل الشهري هو جزء أساسي من حل مسألة الفقر.

إن كنت تعمل فأنت فقير! كيف؟

إن كان دخلك الشهري يساوي 30000 ليرة سورية، إن كنت خريجاً جامعياً، طبعاً الدخل أدنى لمن لا يحمل شهادة جامعية! 30000 ليرة سورية تساوي 60 دولاراً شهرياً. أي معدل الدخل اليومي دولاران اثنان فقط. بدخل دولارين تصنَّف بـ(فوق خط الفقر) بقليل، أي على حافة خط الفقر. مع لحظ أن الحديث عن دخل الفرد فقط، لا العائلة. يذهب من هذا الدخل – وهو دولارن – 1.5 دولار لتأمين السعرات الحرارية للبقاء حيا، ويبقى 0.5 دولار لكل مستلزمات الحياة اليومية الباقية، من مسكن، وملبس، ونقل، وكهرباء، وطبابة… فهل يكفي دخل 0.5 دولار يوميا لكل مستلزمات الحياة؟!

أي إن كان دخلك 30000 ليرة سورية لا يحق لك، أو لن يكون بوسعك أن تتأهل، أو أن تبني أسرة، أو تسكن، أو تركب وسيلة نقل للذهاب إلى عملك، أو أن تمرض أو… والمضحك المبكي في هذا أن على العامل أن يولد من بطن أمه بسن العمل، ويكون العمل مؤمّناً له لحظة ولادته، وأن يموت بسن العمل، لأنه يكون ما قبل سن العمل وما بعده مستهلكاً، وهذا غير مسموح في ظل ما هو قائم!

أي أنت فقير، الأصحّ مُفقَر، وإن كنت تعمل، وذلك بسبب كمّ الاستغلال الواقع عليك من قبل الطبقة البرجوازية.

العدد 1102 - 03/4/2024