حصاد!

محمود هلال:

أيار شهر الحصاد، وكما يقال (سنة من سنة قريبة).. لقد بدأ جني المواسم عند الفلاحين وكذلك عند طلاب المدارس، والآن يخيم كابوس الامتحانات على جميع الطلاب، خاصة طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، إذ يعيش الطلاب مع أهاليهم حالة من الخوف والتوتر والترقب، وكذلك حالة من الاستنفار والتأهب، والحرص الشديد لتوفير الأجواء الدراسية المناسبة، بغية تحقيق الطموحات وتأمين المستقبل الدراسي للأولاد.

وفي هذا الشهر نلاحظ أيضاً حالة استنفار عند مدرّسي الدروس الخصوصية، إذ ترتفع التسعيرة عشية الامتحانات، ويجتهدون في تنظيم أوقاتهم، ولكل مجتهد نصيب.

غداً تغلق المدارس أبوابها، غداً تجف الأقلام وترفع الصحف، ويضع تلاميذ الصفوف الانتقالية في جميع مراحل التعليم نقطة في آخر السطر معلنين نهاية العام الدراسي ويقطفون ثمار ما زرعوا خلال العام.

نعم، المظاهر الاحتفالية في نهاية العام الدراسي بدأت تظهر أمام أبواب المدارس، وبدأنا نشاهد التلاميذ بعد كل يوم امتحاني يخرجون ويمزقون الدفاتر وأوراق الامتحانات والكتب، ويلقونها في الهواء لتذهب إلى غير رجعة، ويطلقون صيحات الفرح وكأنهم تحرّروا من كل قيد.

والسؤال: لماذا كل هذا الفرح والسرور يحدث في نهاية كل عام دراسي؟ ألهذه الدرجة بات التلاميذ يكرهون المدرسة بدلاً أن تكون محبوبتهم ومعشوقتهم ويبكون على فراقها ومغادرتها لمدة ثلاثة أشهر وأكثر؟

أم أن هناك حالة يأس وإحباط أصابت التلاميذ من عدم جدوى التعليم وقلّة نفعه في هذه الأيام، كما أصابت الكثيرين من أهاليهم، بعد أن أصبحت تكاليفه مرهقة ومعدلات التعليم الجامعية عالية جداً، وفرص العمل للمتعلمين والخريجين الجدد قليلة جداً؟ كثيرون اختصروا طريق التعليم واستبدلوا به تعلُّم صنعة تطعم خبزاً كما يقولون، وبتشجيع من الأهل أحياناً، والسبب الرئيسي في ذلك أن ما هو حاصل في هذه الأيام جعل كثيرين ينظرون إلى العلم كقيمة مادية بحتة لا كقيمة معنوية. لقد ولّى زمان (من علّمني حرفاً)، وأصبح الناس في معظمهم عبيداً للقرش والمال على نحو آخر، نعم، هذه الحقيقة باتت ملموسة ونتذوق مرارتها، والمعيار الآن مادي بحت، ويحسب كم سيكون دخل هذا المتعلم في حال أكمل تعليمه وحصل على فرصة عمل مناسبة!

ما أريد قوله أخيراً.. لا يمكن أن نتطور أو نتقدم إلا بالعلم، وابتعادنا عن تعليم أبنائنا رغم كل الظروف لا يخدم إلا أعداءنا، ولذلك علينا التمسك أكثر بإلزامية التعليم ومجانيته، والعمل ما أمكن لتطوير العملية التعليمية والتربوية برمتها، في جميع المراحل سواء في التعليم الحكومي أو الخاص، ابتداء من المناهج وانتهاء بالمدرسين، وتجاوز كل الأخطاء والثغرات الموجودة فيها، سواء في نظام الامتحانات أو في الأساليب وطرق التدريس المعتمدة على حشو المعلومات والحفظ البصم والتلقين، أو في طريقة القبول الجامعي والمعدلات العالية وغيرها، ووضع المعايير الصحيحة التي يمكن أن تؤهّل كوادر نحن بحاجة إليها وإلى أن تكون فاعلة في بناء هذا الوطن.

العدد 1102 - 03/4/2024