لا تلوموا أحزمة البؤس!

د. أحمد ديركي:

تمثل (أحزمة البؤس)، والبعض يطلق عليها (مدن الصفيح) أو (العشوائيات)، إحدى الظواهر المرافقة لنشوء نمط الإنتاج الرأسمالي. لأن هذا النمط الإنتاجي في بنيته قائم على استغلال الطبقة العاملة من قبل الطبقة البرجوازية، وحلفائها، لتحقق الطبقة الأخيرة تزايداً مستمراً في تراكم أرباحها، لذا فإن أحد تمظهرات هذا الاستغلال على أرض الواقع هو(أحزمة البؤس)، أينما وجدت.

على الرغم من كل التطورات التي لحقت بهذا النمط الإنتاجي، ونضالات الطبقة العاملة ضد مستغِليها، ما زالت ظاهرة (أحزمة البؤس) موجودة ومتجذرة في العديد من مدن العالم، وإن تفاوتت نسبها وواقعها بما يتوافق مع اشتداد هيمنة الرأسماليين في هذا البلد أو ذاك، وتطور الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة، ونضالاتها.

من هنا يمكن ملاحظة أن (أحزمة البؤس) تنتشر، أيضاً، بشكل كبير في الدول النامية بنسب متفاوتة، ولأسباب متعددة منها ما يعتمد على مدى تطور البلد، وجوهر السياسة الاقتصادية الاجتماعية التي ينتهجها، ووعي الطبقة العاملة.

إنها ظاهرة تتجاهلها بلداننا بشكل شبه كامل عن قصد، وتندر الدراسات حولها وعن أسباب نشوئها وسبل معالجتها، على الرغم من خطورتها على ما يمكن أن يسمى بـ(الأمن الاجتماعي)  و(العدالة الاجتماعية). جل ما يُسمع ويقال حول (أحزمة البؤس) مجرد أقاويل وأحاديث عنصرية تجاهها، إن أتى الحديث من المسؤولين وأصحاب القرار أو العامة، وتُبنى حولها (جدران الفصل العنصري) بطرق مباشرة وغير مباشرة، وقد تكون هندسة الطرق إحدى السبل، غير المباشرة، المتبعة لبناء (جدران الفصل العنصري)، لمحاصرة هذه الأحزمة وفصلها عن محيطها، سواء وجدت في المدينة أ وحولها.

أمور تشير إلى غياب سياسة اقتصادية اجتماعية واضحة المعالم لمعالجة هذه الظاهرة. إن تضخم (أحزمة البؤس) هو مؤشر على فشل هذه السياسة، وهو في الوقت عينه، دليل على إطلاق يد الطبقة البرجوازية لاستغلال الطبقة العاملة دون قيد أو رقيب. وفي حال أصبح تضخمها غير (صحّي)، من قبل المستغِلين، يأتي القرار بـ(هدمها)! فتصدح أصوات الداعين لإعادة هندسة المدينة وتطويرها بذريعة (تجميلها) و(تحسين الخدمات) وحل مسألة الازدحام، متناسين أن من سيقوم بهذه الأعمال بتمويل من الرساميل الريعية، معظمهم يسكن (أحزمة البؤس)، ويعاود هؤلاء المستغَلين (بفتح الغين) بناء (أحزمة بؤس) جديدة، لأن مستويات الاستغلال الواقع عليهم لا تخوّلهم أن يسكنوا المدينة (الجميلة) التي بنوها!

مع تجدد إلقاء اللوم على (أحزمة البؤس) تُعاد المعزوفة عينها تجاههم: (بؤر الجريمة)، (التطرف)، (القذارة)، (المخدرات) وما يلحق بها من صفات، كلّها تصب في جوهر واحد يتمثل بتصويرها على أنها (بؤر) سكانية خارجة عن سلطة القانون! فيتحول بعض منها إلى مدن مصغرة في المدينة أو حولها، وتشكل (كانتونات) شبه مغلقة على مهدّدي وجودهم، وتتحول إلى لغم قابل للانفجار في وجه من يقترب منه. في المقابل تشكل المناطق (الراقية) (كانتونات) مغلقة في وجوه الفقراء، لغلاء أسعارها.

فهل يُلام قاطنو أحزمة البؤس لأنهم وجدوا فيها سقفاً يأويهم، وبالة ثياب تستر عريهم؟ أم يُلام مهندسو السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تهمّش الفئات الفقيرة والمتوسطة، إضافة إلى مستغلي الطبقة العاملة، والفئات الشعبية الأخرى، وما أكثرهم في بلادنا؟!

 

العدد 1104 - 24/4/2024