ذكرى نكبة 1948.. وصفقة القرن

د. صياح عزام:

الخامس عشر من شهر أيار 2019 هو موعد حلول الذكرى الحادية والسبعين لاغتصاب فلسطين وقيام كيان الاحتلال الإسرائيلي، لا شك بأن هذه النكبة هي نكبة النكبات، بل أم النكبات إن صح التعبير، عاشت مع جيلنا وعشنا معها، وبالتالي فإن ذكراها المؤلمة لا تمر هادئة سواء في النفوس أم في الشارع، وتظل هذه النكبة (أي نكبة عام 1948) الأشد حرجاً وإيلاماً من نكبات أخرى مثل نكبة عام ،1967 ونكبة هجرة مليون يهودي روسي إلى فلسطين المغتصبة، ونكبة قانون (قومية الدويلة الصهيونية)، التي يطلق عليها البعض اسم النكبة الرابعة.

إن عودة قصيرة إلى الماضي تذكّر ببعض ما مارسته العصابات الصهيونية تمهيداً لقيام هذا الكيان الاحتلالي للتأثير على سكان فلسطين الأصليين وما استخدمته من أسلحة فتاكة بدءاً من إذاعات سرية تحذر من انتشار الأمراض الخطيرة وتوزيع مناشير تنذر بجرائم مثل (ارحل من أجل سلامتك)، مروراً بالتفجيرات المرعبة في الأسواق والأماكن العامة، وانتهاء بعمليات القتل الجماعي والمجازر الدموية والترحيل والتهجير، كل ذلك في سياق مخطط جهمني مدروس نفذته العصابات الصهيونية بدعم من بريطانيا ودول أوربية أخرى، ولاحقاً بدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية.

واليوم، مع حلول ذكرى النكبة، نكبة عام ،1948 اقترب موعد الإعلان عن مفاصل صفقة بين رجلين مراوغين ومغامرين (ترامب ونتنياهو) منشغلين بها، تسمَّى (صفقة القرن)، والتي هي أشبه ما تكون بـ(سرقة القرن).

(الصفقة) هي خريطة طريق لتصفية قضية فلسطين بشكل نهائي، ووفقاً لما تريد إسرائيل، صاغتها مجموعة من صهاينة ومتصهينين أمريكيين يقودها كوشنر، صهر ترامب، وصقران أمريكيان هما جون بولتون (مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي)، ومايك بومبيو (وزير الخارجية الأمريكي)، إلى جانب ديفيد فريدمان (السفير الأمريكي في إسرائيل).

وبالمناسبة نتنياهو هو صديق مقرَّب لعائلة كوشنر، وقد اعتاد زيارة منزل العائلة والمبيت فيه كلما زار الولايات المتحدة، وهذا يؤكد أن كوشنر الصهر المدلل هو الوكيل الحصري لخدمة المصالح الإسرائيلية.

وإذا ما عدنا إلى مضمون هذه الصفقة وفقاً لما تسرب من أنباء حولها، نجد أنها تنكرت لمطالب الفلسطينيين التي اقتصرت – بعد المطالبة بتحرير كامل التراب الفلسطيني- على عناصر ثلاثة هي:

1- إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وفق حدود عام 1967.

2- إعلان القدس الشرقية عاصمة لها.

3- عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفق قرار الأمم المتحدة بهذا الشأن.

نعم، تنكّرت الصفقة لهذه المطالب الثلاث، بل شطبتها، وذلك من خلال الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة موحدة لكيان الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها، والموافقة على ضم مستوطنات الضفة الغربية وربما الضفة كلها إلى إسرائيل، كما أصبح اللاجئ الفلسطيني هو فقط من كان حياً عندما أعلن عن قيام الكيان الإسرائيلي عام ،1948 ما يعني أنه من الصعب اليوم إيجاد الكثير من الفلسطينيين أحياء حسب المفهوم الأمريكي الترامبي، المتعلق باللاجئ الفلسطيني، هذا كله إلى جانب قيام إدارة الرئيس ترامب بقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الفلسطينيين، بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وفرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين عبر وقف المساعدات الأمريكية لـ(الأونروا).. والسؤال هنا: ماذا ترك ترامب ونتنياهو للشعب الفلسطيني؟ وكيف يمكن لهذه الصفقة أن تحقق السلام، حسب مزاعم ترامب بين إسرائيل والفلسطينيين؟

بالتأكيد ستكون الصفقة المذكورة وبما يحيط بها من ضبابية بمثابة تغيير، بل نسف كل ما سمي مرجعيات السلام، وستقود إلى تعقيد الأوضاع في المنطقة أكثر مما هي عليه الآن تعقيداً، خاصة في ظل وجود إدارة أمريكية داعمة لإسرائيل (حتى النخاع) كما يقال، ومعادية للفلسطينيين وللعرب عموماً، ووجود إرهابي على رأس الحكومة الإسرائيلية مثل نتنياهو المخادع والكذاب والإرهابي والعنصري.

إن صفقة القرن أو بالأصح (سرقة القرن) لن تبقي شيئاً للفلسطينيين إلا الفتات، وتهدف إلى حشر الفلسطينيين في قطاع غزة الذي هو أصغر من أن يستوعب مليون شخص، تريد أن يتسع لستة ملايين فلسطيني آخر، مع بعض التحسين في أوضاعهم الاقتصادية بأموال عربية.

أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن الأنظمة العربية في غالبيتها لا تتعامل كما يجب مع هذه الصفقة المقرر الإعلان عنها بعد شهر رمضان المبارك، بل إن بعضها متواطئ معها، وبالتالي فإن ما يجري في المنطقة من حشود ومن تهديدات لإيران وغيرها، ليس بعيداً عن محاولات التمهيد لتنفيذ صفقة القرن هذه.

ولكن الولايات المتحدة وإسرائيل والمتواطئين معهما تناسوا أن الشعب الفلسطيني المناضل والذي ضحى بالكثير منذ مئة عام وما يزال، أعلن رفضه لهذه الصفقة منذ أن بدأت التسريبات حولها، مؤكداً أنه لن يسمح بتمريرها مهما كلفه الأمر من تضحيات، والأمر المؤسف أنه رغم هذه الصفقة مازال الانقسام الفلسطيني الحاد موجوداً، وهذا ما يساعد الإدارة الأمريكية وحكومة الكيان على المضي في محاولات تنفيذها.

العدد 1104 - 24/4/2024