وبالقمح أيضـاً.. يُعزَّز الصمود
ديمة حسن:
قد لا يختلف اثنان على أن الأمن الغذائي هو أحد أهم متطلبات الشعوب، وخاصة شعوب منطقتنا التي تعاني دوماً من الحروب والحصار الاقتصادي الجائر، وبتعزيز الأمن الغذائي يتعزّز صمود البلاد وتصبح قادرة على اتخاذ قرارها المستقل، وتتجنب الخضوع للابتزاز السياسي والضغوطات الاقتصادية.
هذه الحقائق ليست خافية على أحد، وقد ظهرت جلية في تصريح كوندليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية عام 2006) عندما سئلت عن أسباب عدم جدوى الحصار المفروض على سورية حينذاك، فأجابت: وماذا نفعل إذا كانت سورية لا تستورد القمح!
فسورية حينذاك كانت مكتفية ذاتياً من هذا المحصول وتعمل على تحسين الاحتياطي الاستراتيجي منه.
لكن السياسات النيوليبرالية للفريق الاقتصادي في العقد الماضي عملت على إضعاف قطاعي الزراعة والصناعة والمشاريع المنتجة الحقيقية، لصالح تقوية المشاريع والاستثمارات الريعية، فتردّى الوضع الاقتصادي للسوريين عموماً وللفلاحين خصوصاً، وتردّى مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة لجهة دعم إنتاج المحاصيل الاستراتيجية، مما أدى إلى تراجع الإنتاج، حتى وصولنا إلى الأزمة السورية الأخيرة التي أطاحت بكل ما بقي من بنى تحتية وصوامع واحتياطي، وحُرم الفلاحون في الكثير من المناطق من الوصول إلى أراضيهم وزراعتها، أو حال الارتفاع الخيالي لمستلزمات الإنتاج بينهم وبين ذلك، وتحولت سورية إثر ذلك من بلد قوي بإنتاج القمح ويملك احتياطياً جيداً، إلى بلد يستورد خبز أبنائه، فكان لذلك الأثر الكبير على السوريين الذين اصطفوا طوابير طويلة لتأمين رغيفهم، وحرم بعضهم منه لفترات خلال حصار المسلحين لمناطق عديدة.
لقد عانت بلادنا خلال سنوات الحرب الطويلة من تدمير ممنهج للقطاعات الأساسية والبنى التحتية، وجرت محاولات للعب على وتر قوت الشعب ولقمته، ولكن السوريين تخطوا كل ذلك بصبر وصمود منقطع النظير، وبذلوا دماءهم وقدموا أبناءهم لصون البلاد ضد كل عدوان.
إن صمود السوريين وتضحياتهم هذه تتطلب من الحكومة سعياً حثيثاً لتحسين ظروفهم المعيشية وحمايتهم من جشع تجار الأزمة وحيتانها، لتأمين حياة كريمة تليق بشعب بذل كل ما يملك فداء لأرضه ووطنه واستقلاله.
كما يتطلب الأمر أن يتعلم أصحاب القرار من دروس الماضي وأن يأخذوا منه العِبر، فالمحافظة على القطاعات المنتجة الحقيقية ودعمها هي الضامن الوحيد لتفادي الأزمات وآثارها.
ولعل قرار الحكومة الأخير برفع سعر كيلو القمح المستلم من المزارعين هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ومن شأنه تقوية صمود البلاد، ودعم القرار الوطني المستقل، وتجنيبنا هدر القطع الأجنبي، وبالتالي تحسين القدرة الشرائية للمواطن السوري المفقر الذي دفع الضريبة الكبرى في هذه الحرب.
ولكن رفع سعر كيلو القمح، على الرغم من أهميته، سيبقى قراراً منقوصاً ما لم تتبعه سلسلة من الإجراءات والخدمات، كتجهيز مراكز استلام المحصول بشكل سريع وبأعداد تتناسب مع كمية المحصول المستلم، وتأمين وسائل النقل للمزارعين لنقل محصولهم، إضافة إلى تبسيط إجراءات الدفع وتسريعها وعدم التأخر بها، ولاحقاً تأمين البذار والأسمدة والأكياس والمحروقات بأسعار وأوقات مناسبة للمحصول القادم، والعمل على تخزين المحصول المستلم في أماكن عديدة، لتجنّب المخاطرة بالكميات كلها في آن واحد.
كما يجب العمل على ضبط الأسواق وضبط تجار الأزمة الذين يسعون لمراكمة ثرواتهم حتى لو كان ذلك على حساب لقمة أبناء بلدهم.
ربما سنسمع أصواتاً عديدة ستنادي بالتراجع عن هذه الخطوة، وقد يعمل كثيرون للترويج ضدها بحجج واهية، ناسين أن مقاومة أي حصار اقتصادي ستكون غير مجدية دون امتلاك أدوات المقاومة القوية التي تبدأ بالرغيف اليومي.
إن إعادة الثقة بين المواطن والحكومة هي مطلب ملحّ لمواجهة التحديات التي ما زالت تعصف بالبلاد، حتى استعادة جميع الأراضي السورية والبدء بالعملية السياسية الحقيقية القائمة على وحدة جميع الأراضي السورية ووحدة أبناء الشعب السوري، والقرار السوري المستقل.