إجهاض مبادئ الدولة الحديثة يُكرّس الانتمـاءات الضيّقة

سامر منصور:

لاشيء يُلغي العادات والتقاليد الاجتماعية القديمة التي استمرت قروناً من الزمن ما لم يكن هذا الشيء ذا أُسس موضوعية، تتجلى آثارها في واقع الناس وترضيهم عبر تحفيز وتحقيق واقع أفضل. وعلّة العلل في البلاد العربية هي الأدلجة ونفاق المتنفذين من أهل السلطة واحتيالهم بالشعارات الرنّانة التي ليس لها معادل موضوعي لائق، والتي يُظهِر العوام اقتناعهم بها خوفاً من القمع وليس تصديقاً لها، فيُظهِرون أمام كاميرات وسائل الإعلام وغيرها من المنابر رضاهم واعتزازهم وفخرهم بالوطن، بينما يعتريهم البؤس والشعور بالضّآلة والذلّ وهم يرزحون تحت وطأة تآمر القوى الاستعمارية والحثالة المحلية المُتنفذة واستغلال ثروات بلادهم ولقمة عيشهم، مُدركين أن الوطن بمفهومه الحديث المُحبّب هو وطنٌ تسوده العدالة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات، مثلما أنه منصّة تحفيز وحاضنة للطاقات البشرية. إن كل هذا حقيقة ما هو إلاّ محض حلم ومشروع يتمُّ إجهاضه يومياً على يد الفاسدين وليس حقيقة مُعاشة.

إن وصول الصغار إلى العروش العربية وإقامتهم أنظمة مُقزّمة على مقاس خدمة نفوذهم وبقائهم مع هوامش للارتقاء بالمجتمعات العربية لا تتسع بما يكفي لتحقّق وتكرّس ما من شأنه أن يؤسّس ويحفظ بُنى اجتماعية حديثة قادرة على الصمود في وجه العولمة والتحديات الاستعمارية التي تواجهها البلاد العربية الثرية بالموارد الطبيعية.

إن الانتماءات الضيّقة الدينية أو الطائفية أو القومية (كالكردية مثلاً) لا يمكن أن يُقدَّم الانتماء الوطني عليها ما لم يعش الفرد قيم المواطنة على أرض الواقع. فإذا نظرنا إلى لبنان مثلاً، نجد أن كل طائفة تؤمّن حاضنة لرعاياها عبر حزب ورموز سياسية تُمثّلها، فتُيَسّر أمور رعاياها بشكل عام ومسائل أخرى كالتوظيف وغيرها.

إن خلق الحروب والصراعات الدموية التي أجّجها التخطيط والتسليح من قبل القوى الاستعمارية دفع باتجاه استعادة ظواهر رجعية مرتبطة بمجتمعات ما قبل (الدولة) كالثأر والانتقام وتخندق الكثيرين في خنادق الانتماءات الضيّقة، لكونها مازالت الحاضنة الحقيقية في دول تفتقر إلى العدالة وسيادة القانون، ولا تعدو نصوص القوانين الهامة فيها حالة فنية من رسومات الحبر على ورق.

العدد 1102 - 03/4/2024