الإدارة بالتجريب

فؤاد اللحـام:

هذه ليست نظرية اقتصادية أو إدارية، إنما هي (ابتكار) سوري ينطبق على معظم حالات انتقاء الإدارات والمسؤوليات في البلاد. إذ يجري التكليف في معظم الحالات (وبالطبع ليس جميعها) وفق معايير وأسباب دون النظر إلى الخبرة والكفاءة لدى من يجري اختياره لتولّي المهمة التي تسند إليه. وبذلك يبدأ هذا المسؤول عمله بالتجريب، فمرّة يصيب ومرات يخطئ، وقليلاً ما يتخذ قراراً أو إجراءً صحيحاً، لكن بالخطأ وبعد فترة قد تطول أو تقصر حسب الأوضاع والظروف ينتقل هذا المدير أو المسؤول إلى مكان آخر قد يكون أفضل أو يعادل المكان السابق ليتابع مهمة الإدارة بالتجريب من جديد، وليفسح المجال لمن يأتي بعده ليبدأ المهمة ذاتها، وهكذا!

وحتى عندما كان يُطلب ترشيح أكثر من مرشح، فإن العملية كانت تتم على طريقة لجان المشتريات، إذ يكون هناك عرض مختار مسبقاً، ويتم (تدبير) عرضين آخرين غير مناسبين أو متناسبين، ليكون العرض الأول المختار مسبقاً هو الأفضل.

عندما تسأل شخصاً تعرفه عن ميكانيكي جيد لإصلاح سيارتك، يرشح لك أحدهم وتذهب إليه، وتكتشف بعد وقت قصير أن سيارتك لم تعمل كما يجب، فإن هذا يعني أن الشخص الذي طلبت نصيحته غير جدير بالثقة، وأن الميكانيكي غير كفء، وبالتالي فإن عليك أن تصل إلى هذه القناعة وتعمل وفقها. لكن المشكلة أنك تعود إلى الشخص نفسه، ولمجالات أخرى، وتواجه في معظم الحالات النتيجة ذاتها، دون أن تستخلص الدرس الضروري من هذه العلاقة، وهي أن هذا الشخص ليس محل الثقة التي تمنحها له، وأنه يضرّك أكثر مما يفيد.

كثيراً ما نستغرب إسناد وظيفة أو مسؤولية لشخص ما، وعندما نسأل: مَن كلّفه؟ أو مَن يعرف من كلّفه؟ يكون الجواب: (ما في غيره!) ما يعني أن البلد أصبحت قفراً إلا من هذا الشخص وأمثاله. في الوقت الذي يقول فيه الواقع والحقيقة إن مقولة (ما في غيره) صحيحة استناداً فقط إلى الزاوية الضيقة جداً (للمعايير) التي يُنظر إليها في عملية الاختيار.

على الرغم من أهمية التدريب والتأهيل في رفع كفاءة العاملين في مختلف المواقع والمسؤوليات، إلا أن الإدارة الناجحة لا تتوقف فقط على الشهادة والتدريب، وإنما تتطلب أيضاً وجود الموهبة والقدرة الإدارية، وهذه سمة شخصية لا يمكن أن تُنال كلياً بالتدريب والتأهيل. لذلك فإن اعتماد الاعلان والمسابقة والمقابلة عناصر هامة في تحقيق الاختيار المناسب للإدارات والمسؤوليات، وعند تساوي هذه المواصفات لعدد من المرشحين يمكن أن تكون الأمور الأخرى عنصراً مرجّحاً لهذا أو ذاك وليست المعيار الوحيد.

الحملة الإعلامية الكبرى حول الإصلاح الإداري والتحولات الإيجابية التي يمكن أن يحققها هذا الإصلاح، خصوصاً في مجال اختيار الإدارات والمسؤوليات، هي اليوم محط الآمال لتجاوز هذه المشكلة، لكن هذا لا ينفي التخوف من أن من يتولى عملية الاصلاح الإداري قد يكون ممّن يمارس دور الإدارة بالتجريب!

العدد 1102 - 03/4/2024