كي لا ننسى | محمد حسن مرقبي.. شيوعي ارتبطت جذوره عميقاً في الأرض
يونس صالح:
ابن مدينة اللاذقية، ابن أحيائها العريقة، خرج من أعماق الشعب والتحم معه، وأحبّه، وقدّم له كلّ ما يمكن أن يقدمه ابن لأهله، من جهد وتضحية وإيثار، ذلك هو ما كان عليه محمد حسن مرقبي، الذي أبصر النور عام 1925.
نما هذا الطفل وترعرع في أجواء هذه المدينة الساحلية الصاخبة، مدينة الصيادين الفقراء، ومدينة الفوارق المعيشية الصارخة بين فئة قليلة كانت تحوز على كلّ شيء، والأكثرية الساحقة من أبنائها الكادحين.
ولقد أحسّ منذ نعومة أظفاره بالبؤس الذي كان يصطدم به أينما حلّ، وبالمعاناة الشاملة للشعب الشغّيل. وكم كان ذلك الواقع يسبّب له من ألم! وكم كان يدفعه للتساؤل عن أسباب هذا الشقاء اللامتناهي الذي يحيط به!
يشبّ هذا الطفل ويبدأ بوعي واقعه بصورة أفضل، وتشاء المصادفات أن يتعرف إلى الحزب الشيوعي عام 1939 وهو بعد يافع، وينجذب نحو أفكاره تدريجياً، فقد وجد فيها ما كان يتوافق مع إنسانيته ومشاعره المتعاطفة مع أبناء مدينته الفقراء. كانت تستهويه أفكار العدالة الإنسانية، والأفكار التي تتحدث عن مجتمع خالٍ من الاستغلال والاستثمار، مجتمع خالٍ من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. كانت هذه الأفكار تتخمر في عقله، وتنغرس عميقاً في وجدانه، فوجد نفسه بعد ذلك، وفي عام 1941 عضواً في الحزب الشيوعي السوري، عضواً في منظمة الحزب في اللاذقية التي كانت هي شابة مثله. ولقد بقي هذا المناضل ابن مدينة اللاذقية وفيّاً لأفكاره ومعتقداته حتى النهاية.
لقد عاش مسيرة الحزب منذ ذلك الوقت، انخرط مع الحزب في النضال من أجل استقلال البلاد، وبعد الاستقلال أخذ يتعمق بصورة أكبر نضاله ونضال الحزب، وأخذت تتجلى فيه بصورة واضحة أكثر فأكثر ارتباط تعزيز الاستقلال، بإجراء تحولات عميقة اقتصادية واجتماعية في البلاد تخدم المصالح الجذرية لأكثرية الشعب.
إن ارتباط المسألة الوطنية بالمسألة الاجتماعية والاقتصادية شكّل بالنسبة له المنطق الأساسي في نضاله. ولقد عمل انطلاقاً من قناعاته تلك، بين الناس في أرياف مدينة اللاذقية التي كان يسيطر عليها الإقطاع، ونشط كذلك بين عمال مدينته وفقرائها، بين الشباب والطلبة والنساء. وسعى بدأب وإصرار لتعميق مداركه الفكرية، وكانت له مساهمته الملموسة في هذا المجال من نضال الحزب.
خاض مع الحزب النضال ضد الديكتاتوريات، وفي سياق نضاله هذا اعتُقل العديد من المرات، وعُذِّب، وتعرّض للتسريح التعسفي من عمله، إلا أن كل ذلك لم يثنه عن مواصلة نضاله. ولقد كان يؤمن إيماناً لا حدود له بحرية الكلمة، والرأي، وبقي مدافعاً عن ذلك طوال حياته. عمل في صفوف النقابات ودافع دون هوادة عن مصالح عمال مدينته، واكتسب حبّهم واحترامهم.
حضر العديد من مؤتمرات الحزب، وانتخب في المؤتمرين الأخيرين (السابع والثامن)، قبل وفاته عام 2002 عضواً في لجنة الرقابة والتفتيش المركزية.
لقد كرّمه رفاقه تقديراً منهم لما قدمه هذا المناضل من خدمات للحركة العمالية في محافظته. لقد ارتبط تاريخ منظمة اللاذقية باسمه وباسم معاصريه الذين أعطوا كل ما يستطيعون لشعبهم، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام.
إن اسم هذا المناضل الباسل، الذي كرّس حياته لخدمة مهمة إنسانية نبيلة هي سعادة الشعب الكادح الذي يبدع الحياة، يجب أن تبقى في الذاكرة، ويجب أن لا يطويها النسيان.