التحالف الروسي- الصيني… أبعاده الاستراتيجية وانعكاساته

د. صياح عزام:

هناك إشارات متعددة تدل على قيام تحالف بين روسيا الاتحادية والصين الشعبية، في سياق مساعي أصحاب القرار في الدولتين من أجل عالم (متعدد الأقطاب)، إذ إن هذه الفكرة هي أولاً فكرة يرغب بها الطرفان، وثانياً هي فكرة ذات بعد استراتيجي. وكما هو معروف منذ عام 1990 وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق، عاش العالم في قطب واحد، كانت الولايات المتحدة تصول وتجول في هذا العالم كما تشاء دون أي منافس، مستخدمة القوة، ومتحكّمة بالدول ضمن سياسة أحادية لا تسمح لأحد بمشاركتها في القرار الدولي.

وبناء على ذلك، تسعى كل من روسيا والصين منذ عقدين من الزمن لتغيير هذه المعادلات، ومن هنا انطلقت الرؤية المشتركة على كل الصعد لمواجهة القطب الواحد، فهما الآن تتحدّيان حضور الولايات المتحدة الأمريكية وسطوتها في قضايا التوتر في العالم وفي مسائل التجارة والاقتصاد الدولي وغير ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب تستشعر ذلك، ولهذا أصدرت في نهاية عام 2018 وثيقة تحت اسم (استراتيجية الأمن القومي الأمريكي)، جاء فيها (أن الصين وروسيا تتحديان قوة وتأثير المصالح الأمريكية، وأن هناك تحالفاً روسياً – صينياً في طريقه إلى البروز). كذلك جاء في الوثيقة: (إن خمس دول تشكل تحدياً للولايات المتحدة صنفت حسب الترتيب التالي: الصين، روسيا، إيران، كوريا الشمالية، داعش، بينما الرئيس الأمريكي ترامب بالذات اختلف مع هذا الترتيب، فهو يعتبر إيران العدو الثاني بعد الصين. والآن ما هي الإشارات الدالة على قيام تحالف بين روسيا الاتحادية والصين الشعبية؟!

في هذا المجال يمكن رصد أهم الإشارات ومنها:

  • تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى أقصى حد ممكن.
  • بيع النفط والغاز الروسيين للصين بأفضلية جيدة من حيث الأسعار.
  • التنسيق العسكري والتدريبات المشتركة بين البلدين التي حققت قفزات نوعية وجيدة. وعلى سبيل المثال المناورات العسكرية الدورية التي استخدمت فيها تدريبات على استخدام صواريخ باليستية وصواريخ كروز، وكان أول تدريب بين الطرفين عام 2003.

ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن أُجري نحو ثلاثين تمريناً عسكرياً مشتركاً.

  • امتلاك الصين صواريخ أرض جو (أس 400) الروسية، الأمر الذي وضع كل أرجاء تايوان (الصين الوطنية) الواقعة تحت النفوذ الأمريكي ضمن مدى الصواريخ الصينية الجديدة.

أيضاً هذا التعاون العسكري الروسي الصيني سيساعد الصين على تنفيذ استراتيجيها بالتوسع نحو بحري الصين الجنوبي والشرقي، وهذا ما تعارضه الولايات المتحدة من دون حق.

  • التعاون السياسي الثنائي في المحافل الدولية، خاصة في مجال مواجهة منافسهما الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تقاطعت المواقف الروسية الصينية بشأن العديد من القضايا الدولية الساخنة، مثل الموضوع السوري، وقد استخدمت الدولتان (الفيتو المزدوج) أكثر من مرة في مجلس الأمن الدولي لإحباط مشاريع قرارات عدوانية قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد سورية وحاولت تمريرها عن طريق الضغوط والإغراءات معاً.

وهناك تعاون مماثل تجاه مستجدات الوضع في فنزويلا الدولة الواقعة في (الحديقة الخلفية) للولايات المتحدة، إذ منعتا، من خلال استخدامهما حق النقض، تمرير قرارات في مجلس الأمن ضد النظام الشرعي للرئيس مادورو.

وهكذا يتضح أن روح (البراغماتية) هي التي تطغى الآن على العلاقات المشتركة بين روسيا الاتحادية والصين، وهذه العلاقات من التعاون والتنسيق لها أهمية خاصة، أولاً بالنسبة للبلدين في مواجهة العقوبات والحروب التجارية التي تستخدمها الولايات المتحدة ضدهما، للحيلولة دون أن تأخذا مكانتهما على الصعيد الدولي، بحيث تبقى واشنطن هي المهيمنة على القرار الدولي، وهي (شرطي العالم)، وثانياً لأن هذا التعاون ينعكس بشكل إيجابي على الدول الأخرى في العالم، خاصة الصغيرة منها، لأنه يصب في مصلحتها من حيث مساعدة الدولتين لها، بالتخفيف من الضغوط التي تمارسها عليها أمريكا وحلفاؤها، وثالثاً، لأن هذا التعاون من شأنه (تسريع) عملية بلورة نظام (التعددية القطبية) وتخليص العالم من الكابوس الأمريكي البغيض.

لذلك، نرى وبشكل ملموس أن هذا التعاون بين روسيا والصين مُرحَّب به في جميع أنحاء العالم، لأن الشعوب والدول خاصة الصغيرة منها ضاقت ذرعاً بالتدخلات الأمريكية في شؤونها الداخلية تحت مسميات كاذبة وذرائع واهية مثل: الحفاظ على الديمقراطية ونشرها، وحماية حقوق الأقليات وغير ذلك.

أخيراً، كل ما يتمناه الشرفاء في العالم أن يتطور هذا التعاون الروسي_ الصيني بشكل أكبر، لأنه في نهاية المطاف يصب في مصلحة الشعوب ويضع حداً للتجاوزات الأمريكية، ولسياسة القطب الواحد.

العدد 1104 - 24/4/2024