إلى متى مشكلة السكن العشوائي؟

صفوان داؤد: 

مدن العشوائيات، وفقاً لليونسكو، هي (مناطق مدنية شديدة الازدحام بمعايير سكن ومعيشة أدنى من سواها، وتتراوح هذه المناطق من أبنية طابقية في بعض الأماكن وصولاً إلى مساكن مصنوعة من الصفيح). إن مناطق السكن العشوائي في سورية هي مناطق سكن غير قانونية، وتسمى محلياً بـ (العشوائيات). تعود لاقانونية هذه المناطق الى عدم توافق البناء فيها مع المخططات التنظيمية والمعمارية، وإلى عدم توافقها مع أسس البناء، أو بسبب حيازتها لأرض بشكل غير قانوني، وهي غالباً ما تكون أراضي تابعة لأملاك الدولة المحيطة بأطراف المدن. تتميز العشوائيات بعدم تماشيها مع النسيج العمراني للمجتمعات التي تحيطها؛ نمط بناء متكرر وثابت تقريباً، عرض الشوارع ضيّق، التخطيط الخطّي لها، وأبعاد الوحدات السكنية، نقص أو رداءة الخدمات العامة. وتشير إحصاءات متكررة للأمم المتحدة إلى أن نسبة السكن العشوائي تقارب 50% من مجمل السكن في سورية، وأن هذه العشوائيات قد توسعت بنسبة 220% بين عامي 1994 و2010.

عموماً تعاني غالبية الدول العربية، ومنها سورية، من مشكلة السكن العشوائي بسبب عوامل عديدة أهمها الهجرة من الريف إلى المدينة، الحروب، والبحث عن فرص العمل، وعوامل أخرى، ما يؤدي إلى تزايد السكان الطالبين لمأوى واضطرارهم للسكن أو السعي للسكن على المساحات الأرضية الفارغة المحيطة بالمدن أو القريبة منها. ومن المعروف في علم الاقتصاد أن السكن العشوائي هو أحد العوامل المعيقة للتنمية، ومصدر للمشاكل الأمنية والاجتماعية، فالعشوائيات تسجل أعلى نسب الجريمة، كذلك النشاطات الاقتصادية غير المشروعة. وشكلت العشوائيات المصدر الأكبر لانخراط المقاتلين في الحرب السورية. وينعكس الوضع المادي المتردي وارتفاع نسبة الإعالة والتلاصق السكاني على نشاطات الحياة الأخرى، كجودة التعليم، والنظافة العامة، وحماية البيئة. إن حاجة المواطنين إلى السكن هي حق، وإن غياب الدولة أو القوانين الملائمة في توفير هذا الحق يقدم تبريراً، إلى حد ما، لسعي المواطنين بشكل غير شرعي إلى بناء السكن العشوائي.

لقد سعت الحكومات السورية المتعاقبة بين عامي 2000 و2011 لحل قضية العشوائيات، وقامت بطرح وتعميم مجموعة من التشريعات الناظمة، وبعد عام 2006 بدا التوجه الحكومي جدياً تجاه حل هذه المشكلة الكبيرة، مع توقيعها مجموعة من اتفاقيات التعاون مع جهات دولية خارجية، وطرحت استراتيجيتان عامتان: إعادة تنظيم/ترقية هذه العشوائيات، أو تجديدها (الهدم ثم إعادة الإعمار) أو كلاهما بحسب الظروف على الأرض. في عام 2011 اندلعت الأزمة السورية وتوقف كل شيْء. لكن، قبل أن نلوم الأزمة، نشير إلى أن السعي الحكومي لم يكن قد حقق شيئاً يُذكر حتى عام 2011. فعلى سبيل المثال، المخطط التنظيمي لمدينة طرطوس الصادر بالقرار الوزاري رقم 1654/ق لعام 2008 والذي يحدد بموجبه مناطق (رأس الشغري)، (وادي الشاطر)، (الرادار)، (أبو عفصة)، و(الزهراء) مناطق مخالفات جماعية، مضى عليه سنوات ولم ينفذ قيد أنملة فيه، وهذا المخطط هو أحد الأمثلة على مخططات بعضها يعود عمره إلى ربع قرن لم يرَ النور في محافظات أخرى.

ارتبطت العشوائيات في سورية ارتباطاً وثيقاً بالفقر، وشكلت مقاربات جديدة للأبعاد الثقافية والمعرفية العامة، وخلقت التباينات المعمارية بين العشوائيات وحواضر المدن المنظمة التي تحيط بها خاصة في مدينتي حلب واللاذقية، والمترافقة مع الفروقات الحادة في جودة الخدمات وأنماط الاستهلاك، خلقت تغييرات في السلوكيات العامة واستقطابات عمودية ضمن المجتمع السوري نحو تعايش ازدواجية مجتمعية غير قابلة للنفاذ: الأول تقوده البرجوازية الناشئة بفرض نمط الحياة وأبعادها الرمزية المتمثلة بالعزلة والفوقية. والثاني ينزوي في عالم التبلّد والمجموعات الهشة ضمن هذه العشوائيات. وعندما تتشكل لكل طبقة معانيها، ورؤاها، بالأحرى لغتها الخاصة والمختلفة، يصبع التباعد واقعاً.

خلال الحرب زادت الاوضاع سوءاً، توقف الاستثمار الاجنبي وخرجت مناطق واسعة من العشوائيات من سيطرة الدولة، كما أدّت عمليات النزوح إلى ضغط هائل على العشوائيات الخاضعة تحت سيطرة للدولة. بالمجمل حصلت تغييرات جوهرية في مشكلة العشوائيات. الآن يتم الحديث عن إعادة الإعمار، لكن هذا الموضوع يثير قضية أخرى، فمع غياب الشفافية والمساءلة، لن يتاح التعويل على مخرجاته من قبل القواعد الشعبية ذات الدخل المحدود، إذ تبدو الأمور كما لو أنها لن تتغير، وإن تغيرت فستكون تغيّرات نقطية هنا وهناك.

العدد 1104 - 24/4/2024