فضاءات ضيقة | اليوم العالمي للمسرح.. تفاعل خلاق بين المسرحي والمتلقين
د. عاطف البطرس:
أحد مقاييس التقدم بالنسبة للدول والأمم والشعوب، هو عدد المسارح فيها، وكمية الذين يرتادونها ونوعيتها، والمسرحيات التي تقدم على خشباتها.
مما لا شك فيه أن ازدهار المسرح يحتاج إلى مقومات من الأمن والاستقرار، وحالة الكفاية المادية، والمنسوب الثقافي والمعرفي للمشاهدين وللوضع العام في البلاد.
من المتعارف عليه أن فن المسرح قد ازدهر في اليونان ما قبل الميلاد بمئات السنوات، ومن أشهر كتّابه أسخيلوليوس، وأرستوفان، وسوفوكليس، ويوروبيدس.
وثمة سؤال يطرح: هل يعقل أن يكون هذا الفن على هذا المستوى من النضج والفنية دون أن يمر بمراحل من التطور قبل أن يصل إلى هذا المرحلة؟ وهل هو ابن اليونان، أم أنه ثمرة جهود وتجارب سابقة غنتها الحضارة اليونانية وصاغتها وفق خصائصها وظروفها.
من الثابت تاريخياً أن شعوباً أخرى قديمة قد عرفت المسرح، وكان مرتبطاً فيها بالطقوس الدينية، كما في المسرح الفرعوني في مصر، وكذلك في بلدان الشرق القديم.
الشعر هو لغة المسرح، وولادته في حضن المعابد الدينية، إلا أنه استقل وأصبحت له موضوعاته الحياتية بعيداً عن صراعات الآلهة وتعدديتها، كذلك تحول المسرح من لغة الشعر إلى النثر. وفي عصر النهضة الأدبية ومع وجود الطباعة وتوفر الرخاء ازدهر المسرح الأوربي في كل من بريطانيا (شكسيبر)، وفرنسا (الثلاثي التاريخي: كورني، راسين، موليير)، كذلك تقدم المسرح في كل من روسيا السوفييتية وغيرها من الدول الاشتراكية (إمير خولد، ستا نسلانسكي) و(بريخت) في ألمانيا الديمقراطية.
لم يعرف العرب فن المسرح، وقد بدأت الحياة المسرحية عندهم مع بواكير عصر النهضة، وكان رائده الأول أبو خليل القباني، الذي أُحرِق مسرحه في دمشق، فانتقل إلى القاهرة ليكمل رسالته المسرحية.
تطور المسرح في أكثر من دولة عربية لمصر وسورية ولبنان والعراق وبلدان المغرب العربي وبرز عدد كبير من الكتّاب في هذه الأقطار.
بدأ المسرح العربي شعراً، وكان من أبرز رواده أحمد شوقي أمير الشعراء، ثم انتقلت لغته إلى النثر، وكان تطوره مترافقاً مع تطور الحياة العامة في المنطقة العربية، وقد شهدت بعض مدنه وبخاصة العواصم إشادة المسارح والعروض المسرحية على ضوء أحدث التقنيات السائدة في العالم.
المسرح هو الحياة مجسّدة على الخشبة، وهو تواصل واتصال مباشر بين الممثل والمتلقي، هو مرآة الذات الفردية والجمعية.
لعب المسرح أدواراً مختلفة ومتنوعة، من المسرح السياسي التحريضي إلى المسرح الفكري الثقافي، والحامل هو فنية العرض المسرحي التي تقدم المتعة والفائدة لجمهور المشاهدين.
أساس العرض المسرحي (النص)، ثم تأتي مكمّلات العرض، من ديكور وموسيقا ورؤية إخراجية، ولابد لنجاح العرض المسرحي من تضافر مكونات العمل وتناسقها، بحيث تساهم جميعها في بناء هرمي للفعل الدرامي في المسرحية (خط الفعل المتصل).
العلاقة متبادلة بين المسرح والمشاهدين، ولابد من تساوق بينهما من الناحيتين الثقافية والوعي الفني، وهذا التساوق يحتاج إلى ظروف موضوعية لا يمكن أن تزدهر إلى في حالات السلم والأمان والاستقرار الاجتماعي والسياسي.