العلمانيّة هي الحلّ الأمثل

ريم الحسين:

طرح النّائب في مجلس الشّعب السّيد (نبيل صالح) مشروعاً تنويريّاً مجتمعيّاً باسم (التّحالف السّوري العلمانيّ)، في صفحته الشّخصية على (الفيسبوك)، داعياً السّوريين النّخبويين والمتنوّرين لإعلان الانضمام إلى هذا المشروع الوطنيّ، وتضمن البيان مقدّمة، وأسساً، ومنطلقاتٍ للعمل، تحت شعار (العلمانيّة هي الحلّ).

وأكدّ النّائب أنّه مشروع مجتمعيّ بحت، ليس سياسيّاً ولا حزبيّاً، يهدف إلى نشر الوعي، والمطالبة بتطبيق العلمانيّة الصّحيحة بعيداً عن الانتماءات والإيديولوجيات، وأسهب في شرح المبادئ الأساسيّة والأسباب.

وتضمن البيان أيضاً شرحاً وافياً نوعاً ما للعلمانيّة، وأنّه سيُنشر لاحقاً كلّ الاستفسارات عن هذا العمل وممارسته على أرض الواقع ضمن خطّة عمليّة بنّاءة.

 

طبعاً دعوة صالح هذه لم تكن الأولى، من الشّخصيات الوطنيّة والنّخب السّورية خلال سنوات الحرب، لكنّها للمرّة الأولى تأتي في إطار شامل ودعوة علنيّة للانضمام إلى هذا التّكتل الشّعبيّ، وبشكل صريح ومعلن، وهنا سيتضح حجم الإقبال الجماهيريّ على خطوات عمليّة كهذه، ومدى تقبّل الشّارع للتغيير، وخصوصاً بعد حرب اتخذت من الدّين وسيلة للتّجييش الطّائفي والتّكفير.

خطوة كهذه جيّدة في هذا الوقت الّذي يحتاج إلى إعادة إعمار المجتمع قبل الحجر.

وهنا تأتي مسؤوليّة الأحزاب العلمانيّة ومدى جدّيتها في حراك كهذا، أو على نمطه، ذلك أنّها لم يكن لها ضمن الحرب نشاطات هامّة على مستوى الوطن تُذكَر، فهل ستتحالف مع هذه الدّعوات للنّهوض بالمجتمع، أو تأخذ زمام الأمر، فتبادر ولو فرديّاً، أم أنّها ستبقى مهمّشة وتضع نفسها على الحياد رغم أنّها تتحمّل المسؤوليّة الأكبر بالنظر إلى البعد التنظيميّ والسّياسيّ والتّوجه والرّسالة، إضافة إلى تاريخها النّضاليّ الطّويل؟!

وهل سيتقبّل المجتمع هذه الدّعوات بجميع أطيافه، أم سنرى، كما جرت العادة، المتشدّدين دينيّاً يقفون في وجه كلّ خطوة نحو الحداثة، ويرفضون فصل الدّين عن الدّولة، ويكررون هجومهم المعتاد على العلمانيّة والشّخصيات المطالبة بها، أم أنّ الحرب كانت لهم درساً في ضرورة تحييد الدّين على الأقلّ عن السّياسة، وخصوصاً أنّ هناك فهماً خاطئاً لمسمى العلمانيّة من الغالبية المهاجمة، فأغلبهم يعتقد أنّ العلمانيّة هي الإلحاد ومحاربة الدّين، وهو اعتقاد غير دقيق، أن لم نقل خاطئ؟!

وليس بعيداً ما حصل مع عدة أحزاب، أو كبيان النّائب صالح، على سبيل المثال، فالبعض رفض واستهزأ رغم أنّه لم يقرأ محتواه، وتهجّم عليه مستنداً على أفكار مسبقة عن العلمانيّة، بأنّها ستسلب منه معتقداته، رغم أنّ العلمانيّة هي الّتي تدعو إلى عدم إلغاء الآخر واحترام معتقداته وأفكاره.

وبالعودة إلى البيان فإنه يحوي شرحاً لعدة نقاط هامّة، فعلى سبيل المثال أيضاً ذُكرت المطالبة بقانون مدنيّ مع عدم إلغاء قانون الأحوال الشّخصية المستمدّ من الشّريعة، ويحقّ لكلّ فرد، عند تكوين أسرة، الاختيار بين قانون مدنيّ أو دينيّ.

لكنّ بعض العلمانيّين لديهم فوبيا توازي (الإسلاموفوبيا) أو الخوف من الأديان الأخرى أيضاً لدى الطّرف الآخر، وهنا يأتي دور مبادرات كهذه لإيصال فكرة العلمانيّة إلى هؤلاء بشكلها الحقيقيّ، وأنها العدل في احترام معتقدات الآخر وعدم فرضها على الآخرين، ذلك أنّ جمعاً غفيراً من المطالبين بعلمانيّة الدّولة هم مؤمنون، ويؤدّون عقائدهم وشعائرهم، لكن بعيداً عن فرضها وممارستها قسراً وجهراً للاستفزاز.

كما يتمثل العبء الأكبر ليس فقط في توعية هؤلاء الرّافضين دون دراية، وإنّما توعية الجيل الّذي يطمح لعلمانيّة الدّولة أيضاً بمفاهيمها وآليات عملها، فكثير منهم لديه أيضاً أفكار خاطئة، وتطرّف في إلغاء الآخر، وممارسات لا تمتّ إلى العلمانيّة بصلة، وبالتّالي يعطي المتشدّدين دينياً والرّافضين للعلمانية الحجّة الأكبر لمحاربتها.

يحتاج المجتمع السّوري إلى الانصهار مجدداً في بوتقة واحدة، وأن يكون خلية عمل تضمن ترميم ما أفرزته الحرب من تعقيدات، والاستعانة بالخبراء والنّخب للإصلاح والانتشار بشكل يضمن إيصال الأفكار وتصحيح الأخطاء، في محاولة لنشر الحداثة والرّقي والنّهوض المجتمعيّ، والتّركيز على الأخلاق والانتماء إلى الوطن قبل كلّ انتماء.

هذه المبادرات وغيرها، السّابقة واللّاحقة، يجب أن لا تبقى ضمن حيّز الأطر النّظرية أو دعوات أو منشورات وكلاماً وحبراً على ورق فقط، بل عليها أن تعمل على الأرض، وأن تستخدم الأدوات المساعدة، وخصوصاً الإعلام بكل أشكاله المرئية والمسموعة، كصدور نشرات دورية تتضمّن مواضيع عن العلمانيّة ومفاهيمها، إضافة إلى المقابلات التلفزيونيّة والإذاعيّة مع ذوي الشّأن، وأن تفعّل الأحزاب العلمانيّة مكاتبها الإعلامية وكوادرها بشكل أوسع ومكثّف، فاليوم مشكلتنا، بعد الحرب، اقتصاديّة واجتماعيّة بحتة، ولا يمكن للاقتصاد أن يزدهر ضمن مجتمع مفتّت تحكمه الطّائفية والحقد والنّعرات.

وقد يأتي من يقول: ماهي إنجازات العلمانيّة؟

يكفيها فخراً أنّها ساهمت في تحقيق النّصر، ذلك أنّ جيشنا السّوري البطل جيش علمانيّ، وأبطاله عقيدتهم الأولى وانتماؤهم لوطنهم، وهذا ما شكّل درعاً منيعاً وساهم في مواجهة المجموعات المتطرّفة الإرهابيّة وتحرير الأرض ممّن دنسها، فالعلمانيّة هي فكر حرّ يقوم على ممارسة الواجبات دون النّظر إلى ماهيّة الآخرين ومعتقداتهم، وإنّما التّركيز على الهدف بحدّ ذاته.

(الدّين لله والوطن للجميع) هو الشّعار الّذي يجب أن ترتكز عليه المرحلة القادمة، وأن نبدأ في البناء ومحاربة الفساد والوقوف وجهاً واحداً ضدّ العدوّ الحقيقيّ لمجتمعنا ووطننا، وهي الصّهيونيّة بأدواتها الإرهابيّة المتشدّدة والفاسدين في أماكن صنع القرار.

وقد يكون مناسباً أن أختم بهذا القول:

(نتكلم عن علمانيّة الهند، البعض يظنّ بأنّ ذلك معارض للدّين، وهذا خطأ واضح، ما تعنيه حقيقة تلك العلمانيّة هي أنّ الدّولة تقدّر العقيدة الدينيّة للجميع بالتّساوي، وتمنحهم فرصاً متساوية في كلّ شيء، ولدى الهند تاريخ عريق من التّعايش الدينيّ. في بلد كالهند حيث يوجد العديد من العقائد الدينيّة لا يمكن أن تُبنى الوطنية على أيّ أساس غير العلمانيّ).

– جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال.

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1102 - 03/4/2024