هدايا مجانية.. بالأمس القدس واليوم الجولان وغداً ماذا؟

د. صياح عزام:

وصفت صحيفة عربية الرئيس الأمريكي ترامب، بعد إعلانه المتعلق بالجولان السوري المحتل، بأنه (الإمبراطور) الذي يمنح قطعة أرض من أملاك أجداده الخاصة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهي لم تجانب الصواب في هذا الوصف فعلاً، إذ ينظر ترامب إلى العالم بأسره وكأنه ملك له يتصرف به كما يشاء، ولا يكترث برأي عام دولي، ولا بقرارات دولية، ولا بأية إدانة أو استنكار لإعلانه، فالمهمّ لديه أن يحوز على رضا إسرائيل، ويحصل على ولاية ثانية.

لم يمضِ وقت بع على اعترافه بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، ثم نزع الجنسية عن اللاجئين الفلسطينيين وإطلاق صفة (عديمي الجنسية) عليهم، تمهيداً لتجنيسهم وإلغاء حق العودة، وقطع المعونة الأمريكية عن (الأونروا)، حتى جاء موعد الجولان السوري، بإعلان ترامب أنه حان الوقت للاعتراف الأمريكي بضمّه إلى إسرائيل، وبالتالي ليس مستبعداً أن يفاجئ ترامب العالم بقرارٍ مماثل يتعلق بالضفة الغربية المحتلة، ولاحقاً بالجزء المحتل من الجنوب اللبناني.

وكأن ترامب جيء به إلى البيت الأبيض لتنفيذ ما تخطط  له وتريده إسرائيل فقط!

ظاهرة غريبة وفريدة من نوعها فعلاً، إذ إن هذا الرئيس الأمريكي، وعلى خلاف كل الذين سبقوه، يقوم بتغيير الحقائق وتزوير التاريخ والاعتداء على ثوابت وطنية وقومية للدول والشعوب، ويتصرف وكأن هذا العالم مملكة له، وكأنه الآمر الناهي في هذا العالم، يعطي من يشاء ويحرم من يشاء.

العالم كله استنكر خطوة ترامب تجاه الجولان: أوربا بأسرها، وروسيا والصين وغيرهما من الدول، إلا أنه لم يعر اهتماماً لهذا الاستنكار!؟

لاشك بأن الرئيس ترامب أراد، من خلال إعلانه بشأن الجولان، تصدير مشاكله إلى الخارج وتوجيه الرأي العام الأمريكي والعالمي إلى قضايا أخرى من جهة، وكسب ود اللوبي الصهيوني المستشري في أروقة صناعة القرار في الولايات المتحدة، ليسانده ضد خصومه الذين يعملون لإسقاطه واستبعاده من الرئاسة، بعد سيل المشكلات التي تسبب بها على الصعيدين الداخلي والخارجي، من خلال شن الحروب وخلق بؤر التوتر في العالم، وابتزازه لحلفائه في أوربا وغيرها ولعملائه، بحيث سبّب لبلاده عزلة كبيرة، إضافة إلى حروبه التجارية ضد الصين وغيرها.

إن الرئيس ترامب يتماهى مع مدرسة إسرائيلية توراتية متطرفة جداً تؤمن بإسرائيل الكبرى، ولا ترى بين نهر الأردن وشرق المتوسط سوى دولة يهودية، وهذا ما باح به رئيس  الكنيست اليميني (يولي أولشتاين) تعقيباً على تغريدة ترامب، مشيراً إلى أن هناك عقد قران بين اليمين الصهيوني المتطرف واليمين الشعبوي الأمريكي الأكثر تطرفاً والمدعوم بأصوات إنجيلية متطرفة أيضاً، وبالتالي تتالت الجوائز الأمريكية لإسرائيل ولم تنتهِ بعد.

لم يهتم ترامب بمواقف تسعة رؤساء أمريكيين سبقوه إلى البيت الأبيض، منذ احتلال الجولان عام 1967 من جونسون إلى أوباما ضمناً، ولم يلتفت إلى أن خمسة رؤساء حكومات إسرائيلية (رابين- بيريز- أيهود باراك- أولمرت- نتنياهو نفسه) عرضوا على سورية إعادة الجولان المحتل إليها نظير معاهدة سلام وتطبيع علاقات، إلا أن سورية رفضت وما تزال ترفض مثل هذه العروض.

لم يأبه ترامب لكل ما تقدم، فهو معنيّ بالدرجة الأولى بالتجديد لنفسه لولاية ثانية، وبتمكين حليفة اليمين الإسرائيلي المتطرف من الفوز في انتخابات الكنيست الحادي والعشرين في شهر نيسان 2019.

بطبيعة الحال، لقد زرع ترامب، باعترافه الأخير بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، بذور جولات جديدة من العنف والصراع في المنطقة، خاصة أنها تترافق مع سياسة أكثر عدوانية تجاه سورية وإيران، ومحاولات تفجير الأوضاع في لبنان عبر التحريض ضد حزب الله اللبناني، وبالتالي فهو يثبت للعالم يوماً بعد يوم أن واشنطن التي تتذرع بحماية أمن العالم واستقراره، أصبحت في ظل إدارة ترامب مصدراً لكل أشكال الحروب والاضطرابات وعدم الاستقرار في العالم، والراعي الأول للتطرف والإرهاب حتى أنها باتت لا توفر أصدقاءها وعملاءها.

باختصار، الجولان أرض عربية سورية، وإن إعلان ترامب لم ولن يشرعن احتلاله، ثم إن الجولان ليس عقاراً أمريكياً يتصرف به ترامب، بل أرض سورية يسكنها سوريون منذ آلاف السنين، ولا يمكن بحال من الأحوال تغيير قواعد الجغرافيا والتاريخ مهما طال الاحتلال، ولن يفلح ترامب وغيره في انتزاع عروبة الجولان وسوريّته.. وبالأساس فإن التمسك السوري بالجولان، وقبل ذلك الدعم السوري لقضية فلسطين، هما العاملان الأساسيان في تكثيف التآمر على سورية من قبل أمريكا وحلفائها وعملائها، إلا أن سورية بإرادة شعبها وبطولات جيشها وحكم قائدها ودعم أصدقائها صمدت أمام كل حملات التآمر، وهي في الطريق لتحقيق نصرٍ نهائي على الإرهاب التكفيريّ الأسود ورُعاته وداعميه.

 

العدد 1104 - 24/4/2024