مجزرة نيوزيلاندا.. من طينة الإرهاب ووحله!

د. صياح عزام:

يوم أسود سقط فيه نحو خمسين قتيلاً وعشرات الجرحى والمصابين، وذلك في جريمتين ارتُكبتا في مسجدين بمدينة كرايست في جزيرة ساوث أيلاند، بحق مصلّين كانوا يؤدون صلاة الجمعة.

الحادثة بشعة جداً، لأنها تشكل امتداداً لحرب هوياتية متطرفة ضد كل مهاجر في عدة دول أوربية، تروج لها فئات وتيارات يمنية متطرفة لا تختلف كثيراً عن النازية، كما أن هذه الحرب خرجت من عباءة الرئيس الأمريكي ترامب، الذي يريد أن يفرض على العالم وجهاً جديداً لما يسمى (الصراع بين الحضارات والأمم والشعوب).

ومما يلفت النظر تعاطي شاشات التلفزة العالمية معها، فقد نقلتها حسب أهوائها وتوجهاتها، فعلى سبيل المثال محطات الحرة الأمريكية والجزيرة والعربية وصفت الحادث بـ(الهجوم المسلح)، فيما وصفته محطات أخرى مثل الـ(بي بي سي) البريطانية، وروسيا اليوم بـ(الإرهاب البشع والإجرامي). الشيء الآخر بالنسبة للإعلام الغربي بشكل عام أنه لم تصدر عنه أية إدانة رسمية لهذا العمل الإجرامي، حتى أن بعض وسائط هذا الإعلام رددت أن القاتل ينتقم من مئات القتلى الذين سقطوا على الأراضي الأوربية على مدى التاريخ، وأنه اتخذ هذا القرار من أجل أمان مستقبل مجتمعه وشعبه! (أي أن هذا الإعلام تبنى سرديات الاستعمار الأوربي).

لا شك بأن هذه الحادثة كانت بمثابة عرض مسرحي لإرهاب غربي، ورغبة يمينية متطرفة في تحويل العالم  إلى جحيم حرب عالمية ثالثة على طريقة ترامب، وشعاره المعروف (أنا، والآخر: هو الجحيم والعدم والموت)، ومثل هذا الشعار هو من مفرزات هستيريا العالم الجديد.

إنها فاشية مقيتة تجعل من ترامب نجماً أوحد في خيال الغرب، أي هتلر جديد تتربع أفكاره على عقول الشباب فتتحول  إلى ماكينة للقتل والتدمير في أنحاء مختلفة من العالم.

لقد أعلن المجرم القاتل أنه متأثر  إلى حد كبير بالرئيس ترامب باعتباره – حسب زعمه- رمزاً لإعادة الاعتبار لهوية البيض، وجاء أيضاً في البيان الذي أصدره الإرهابي القاتل أن من أسباب ارتكابه لهذه الجريمة تزايد عدد المهاجرين وخاصة المسلمين منهم الذين وصفهم بالمحتلين والغزاة، مدعياً أن هذه الأوطان الأوربية ستظل للبيض حصراً).

إذاً مثل هذه الجرائم البشعة هي نتاج ثقافة الكراهية والتطرف والتشدد، ونتاج التساهل مع الإرهابيين، خاصة في دول أوربية كبيرة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وغيرها، حتى أن بعض هذه الدول خاصة فرنسا وبريطانيا دعمتا وما تزالان حتى الآن الإرهابيين في سورية والعراق وليبيا ولبنان، متجاهلة أن يد الإرهاب الشريرة سترتد عليها في نهاية المطاف.

لقد ضرب الإرهاب ضربته هذه المرة في مكان غير متوقع حسب رأي العديد من المحللين السياسيين والمتابعين لتطورات الأحداث، الأمر الذي يؤكد أن الإرهاب بلا لغة أو جنس أو عرق أو لون أو دين، ويؤكد أيضاً أن مثل هذه المذابح والانتهاكات لسيادة الدول هي نتيجة طبيعية لدعوات ممنهجة  إلى كراهية الآخر ونبذ المهاجرين.

لقد تحدثت بعض وسائط الإعلام بأن الإرهابي المجرم كان يعمل في سياق منظومة تدعى (إزالة الكباب) وهو تعبير شائع يقصد به محاربة الوجود الإسلامي في أوربا إلكترونياً.

جدير بالذكر أن تنظيم داعش الإرهابي نشر مقاطع فيديو عن الجريمة التي وقعت في مكان يتميز بأنه منذ أكثر الأمكنة في العالم أمناً، واستقراراً، وتسامحاً، واحتراماً للآخر، وحماية للتعددية والاختلاف والانفتاح والتنوع وضمان حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية للجميع دون أي تمييز.

أخيراً إن هذه الحادثة المؤلمة والبشعة في الوقت نفسه تشكل تحولاً خطيراً في مسار الإرهاب الأسود وذلك لعدة أسباب أهمها:

أولاً_ إنها تحمل دفعة جديدة مصدرها غربي بامتياز، فهي إعلان عن إطلاق (ماراثون) الإرهاب بتوقيع عنصري (توقيع الرجل الأبيض).

ثانياً_ إن ما حدث يستند  إلى سياقات فكرية واجتماعية وثقافية أسست لمفاهيم الكراهية والعنصرية ضد الإسلام، بدءاً من (إسلاموفوبيا)  إلى (إسلاموكوست) (أي حرق مشاعر المسلمين وقتلهم)، وصولاً  إلى مواجهة المهاجرين والثقافة الإسلامية بشكل عام.

ثالثاً_ إن الهدف من العملية إشعال فتيل الحروب الدينية في العالم وفقاً لاستراتيجية الغرب المتصهين.

العدد 1104 - 24/4/2024